وجه الفساد ان المعرفة في الافتاء هو الملاك والمقتضي للحجية ، فيؤثر قوته في رجحانه وتقديمه ، بخلاف البصر والكتابة بل العدالة في القاضي ، فانها شرائط.

والمقتضى لتعينه علمه بموازين القضاء.

مضافا الى ان المراد بالاعلم هنا ان كان اقوى معرفة - بحيث لا تزول بتشكيك المشكك ، لقوة مبنى عرفانه - فالامر كما في البصر والكتابة ، فان قوة البصر وجودة الخط لا تأثير لهما في مرحلة القضاء بل المؤثر اصلهما ، وكذا أصل المعرفة بالحكم له تأثير في ايجاب العمل على طبقها ، ولا اثر لقوة المعرفة.

واما ان كان المراد بالاعلم من كان احسن استنباطا من غيره لكونه اقوى نظرا في تحصيل الحكم من مداركه الشرعية والعقلية من حيث مبادئ تحصيله وكيفية تطبيقه على مصاديقه ، فحينئذ لا مجال للقياس ، فان الاعلم بهذا المعنى اكثر احاطة بالجهات الموجبة للإستنباط المغفولة عن غيره لقصور نظره ، وان كان نظره القاصر حجة عليه وعلى مقلده ذاتا.

فمرجع امر التسوية بين الاعلم وغيره الى التسوية بين العالم والجاهل ، لقصور نظر غيره عما وصل اليه الافضل مما يوجب الفتوى بثبوت الحكم أو نفيه.

ومنه ينقدح وجه لتعين الاعلم وان لم نقل باقربية فتواه الى الواقع ولم نقل بان الملاك كلا أو بعضا هو القرب الى الواقع ، وهو انه قد تقدم منا - في وجه لزوم التقليد عقلا (١) - انه من لم يكن له حجة يجب استناده الى من له الحجة.

وحيث ان فتوى الاعلم اوفق بمقتضيات الحجج الشرعية والعقلية لبلوغ نظره الى ما لم يبلغ نظر غيره - لفرض الاعلمية - فيكون بالاضافة الى غيره كالعالم بالاضافة الى الجاهل ، فيتعين في مقام ابراء الذمة. لا لقصور حكم العقل ، بل لإذعانه - بمقتضى فرض الاعلمية ، وكون المجتهد ذا حجة على الحكم - بكون رأيه اوفق بمقتضيات الحجج ، وان التسوية بينه وبين غيره يؤل الى التسوية بين العالم والجاهل.

***

__________________

(١) نهاية الدراية ٦ : التعليقة ٧٩.

۴۳۰۱