مقتضاه ثبوته الفرضي قبل ثبوته التحقيقي.

مع ان العلم بالحكم حقيقة او الظن به كذلك لا يتوقف على ثبوته التحقيقي ، لان ما هو حكم بالحمل الشائع لا يعقل ان يكون مقوما لصفة العلم ، بل المعلوم بالذات ماهية الشيء ، لا وجوده ، اذ العلم نحو من الوجود والوجود لا يعقل ان يكون معروضا للوجود - سواء كان العارض مماثلا للمعروض أو مقابلا له - ، فان المماثل لا يقبل المماثل والمقابل لا يقبل المقابل.

ومنه تعرف انه لا خلف ، اذ التقدم والتأخر بالطبع بين العلم والظن وماهية المعلوم والمظنون ، دون وجودهما ، فما هو المتقدم بالطبع ماهية الحكم ، وما هو المتأخر عن العلم والظن وجوده الحقيقي ، كيف والحكم قائم بالحاكم ومقوم العلم قائم بالعالم.

هذا كله بالاضافة الى جعل الحكم على طبق ما يعتقده القاطع والظان عند حصول القطع أو الظن. واما بالاضافة الى الملتفت الى انه لا حكم قبل العلم والظن ففيه محذور ، فان من يعتقد انه لا حكم له قبل اعتقاده به كيف يعقل منه اعتقاد الحكم ، لانه من اجتماع النقيضين ، وجعل الحكم المبني عليه محال لان المبني على المحال محال.

الا ان يفرض كون العلم بالمقتضى ثبوتا شرطا في تأثيره ، فبمجرد العلم تتم العلة لثبوت الحكم ، فيكون جعل الحكم مقارنا زمانا مع العلم به ، للعلم بتمامية علته.

لكنه يصح في العلم بالحكم المنبعث عن العلم بمقتضيه ثبوتا ، لا عن العلم بمقتضيه اثباتا ، فانه لا يكون الا مع جعل الحكم قبل العلم به.

والتحقيق ان نفس هذا الفرض غير خال عن المحذور ، لان العلم بالمصلحة مثلا شرط في تأثيرها في جعل الحكم في طرف المولى ، لا في ناحية العبد ، بل نفس جعل الداعي كاف في تأثيره في الدعوة من قبل المولى - سواء علم العبد بالمصلحة أم لا - وليس الشرط الا مصححا لفاعليته (١) أو متمما لقابلية القابل.

فتدبره جيدا.

__________________

(١) أي الفاعل ، وهو جعل الداعي.

۴۳۰۱