من ما وافقهم ليتعدى إلى كل ما هو أقرب إلى الواقع من غيره.

ثانيهما : أن يكون تطبيق العمل على ما خالفهم مطلوبا ، دون مخالفتهم فقوله عليه السلام ( خلافهم ) على الأول مصدر مبني للفاعل ، وعلى الثاني مصدر مبني للمفعول ، ووصف لمضمون الخبر ، والظاهر من جميع الأخبار الواردة في هذا المرجح هو الثاني ، فان قوله عليه السّلام في المقبولة ( ما خالف العامة فيه الرشاد ) وقولهم عليهم السلام في سائر الأخبار ( خذوا بما خالفهم وذروا ما وافقهم ) (١) ظاهر فيما ذكرنا ، وما في ديباجة الكافي من قوله استنادا إلى الرواية ( فان الرشد في خلافهم ) إشارة إلى ما ورد في الأخبار ، لا أنه بنفسه خبر بمضمونه ليؤخذ بالاحتمال الأول.

نعم في بعض الأخبار ( فخالفوهم فانهم ليسوا من الحنيفية على شيء ) (٢) وهو ظاهر في المعنى الأول ، إلاّ أن وروده في باب ترجيح أحد الخبرين على الآخر غير معلوم. مع أن تعليله عليه السّلام ( بأنهم ليسوا من الحنيفية على شيء ) يعطي المعنى الثاني ، وهو أن مطلوبية المخالفة لمخالفة ما هم عليه للواقع ، لا أنّ مخالفتهم بما هي مطلوبة. فتدبر.

وبناء على المعنى الثاني ، نقول : بعد البناء على كون المخالفة مرجحة - لا موجبة لزوال ملاك الحجية عن الموافق ، ليخرج عن محل الكلام ، كما عرفت فيه الكلام مفصلا (٣) - إن المخالف إذا كان في قبال الموافق ، لابد من أن يتقوى به ملاك الحجية ، ويضعف المقابل بموافقته ملاكه ، بحيث لو كان الموافق وحده لأخذ به لوجدان ملاك الحجية.

وحينئذ فالاعتبار بقوة ملاك الحجية وضعفه ، لا بالقرب إلى الواقع وبعده ، فان القرب والبعد اجنبيان عن ملاك الحجية.

ومن البين أن ملاك حجية الظهور بالنسبة إلى المراد الجدي ، هو كون المتكلم - الشاعر المختار عند إلقاء الكلام على المخاطب - ليس بطبعه إلاّ بصدد بيان مراده الواقعي ، فعدم إرادته اتقاء عن الغير ، خلاف هذا الظاهر الذي عليه المدار في باب المحاورات عرفا ، فاذا صدر منه كلامان متنافيان أحدهما يوافق مقالة عدوّه الذي ينبغي الاتقاء من شره ، والآخر يخالفه ، فلا محالة يتقوى جانب ذلك الظاهر المؤسس في المخالف ، ويضعف في الموافق.

فتارة تكون تلك الأمارة - الموجبة للتقوية أو للضعف - أمارة متبعة عرفا ، فتكون

__________________

(١و٢) الوسائل ٨٥ : ١٨ : حديث ٢٩ و٣١ و٣٢.

(٣) التعليقة ٢١.

۴۳۰۱