لم يكن حجة عندهم ، وكذلك بلزوم الارتداع عن ماردع عن اتّباعه ، وان كان حجة عندهم.
وعليه فالرادع العمومي كالرادع الخصوصي متبع عندهم ، ولو لمولى خاص بالنسبة إلى عبد مخصوص ، ولا يكون مثله عندهم من العام الذي ورد في قباله خاص.
فملاك العموم والخصوص بعد الفراغ عن الحجية - في نفسه - من قبل من ورد عنه العام والخاص ، وهو غير ملاك الردع الذي لا يتفاوت فيه العموم والخصوص.
وعليه فاذا كان العام مقارنا للسيرة ، أو مقدما عليها ، فلا محالة لا تنعقد حجيتها سرعا ، لوجود ما يصلح للردع ، دون ما يصلح للتخصيص.
وأما إذا كان العام متأخرا والسيرة متقدمة عليه ، كما هو كذلك في جميع موارد السيرة العقلائية ؛ فانها لا تختص بزمان دون زمان ، ولا بملة ونحلة بالخصوص ، فما هو ملاك حجيتها شرعا - وهو كونها ممضاة شرعا بعدم الردع عنها ، مع إمكان الردع - موجود في السيرة المتقدمة.
فيدور الأمر بين كونها مخصصة للعام المتأخر ، بأن كان إمضاؤها وتقريرها ذا مصلحة بقول مطلق ، أو كون العام المتأخر ناسخا لها لكون إمضائها ذا مصلحة ينتهى أمدها بورود العام المتأخر ، وشيوع التخصيص ، وندرة النسخ يقوي جانب التخصيص.
فصح - حينئذ - دعوى أن السيرة تامة الاقتضاء ، دون العام ، لعدم بناء العقلاء على العمل به في قبال الخاص - على ما هو الصحيح في تقديم الخاص على العام - من كون الخاص أقوى ملاكا ، لا من حيث أنه أقوى الحجتين.
نعم قد ذكرنا (١) - في مبحث حجية الخبر - أنه يصح تقديم السيرة إذا كان الردع ممكنا ، ولم يردع.
وأما عدم الردع ، مع عدم إمكان الردع ، فلا يكشف عن كونها ممضاة عند الشارع.
ولعل زمان نزول الآيات كان أول زمان يمكن فيه الردع عن مثل ما استقرت عليه سيرة العقلاء في كل ملة ونحلة ، فان الردع عن مثله في أوائل البعثة لا يخلو عن صعوبة.
وأما ما ذكرناه في مبحث حجية الخبر - إن السيرة متقومة بعدم الردع حدوثا وبقاء ، فهي وإن كانت تامة الاقتضاء حدوثا ، إلا أنها غير تامة الاقتضاء بقاء ، فلا تزاحم العام - فمدفوع بأن حجية السيرة غير متقومة بعدم ورود العام بذاته ، حتى لا يكون فرق بين
__________________
(١) ج ٣ : التعليقة : ١١٦.