موجبات حفظ النظام وموانع اختلاله.
ومبنى الملازمة : إن الشارع من العقلاء ، بل رئيسهم ، وواهب العقل لهم ، وهو منزه عن الاقتراحات الغير العقلائية ، والاغراض النفسانية.
فهو ايضا - بما هو عاقل - يحكم بالمدح والذم ، ومدحه ثوابه ، وذمه عقابه ، كما عرفت تفصيل القول فيه في مبحث دليل الانسداد (١) .
وحيث أن المدح والذم من صفات الأفعال الاختيارية ، لاستحالة تعلقها بغير الاختياري ، فلابد من أن يصدر العنوان الممدوح ، أو المذموم - بما هو - عن قصد وعمد ، لا ذات المعنون فقط.
فلو صدر منه ضرب اليتيم بالاختيار ، وترتب عليه الأدب - من دون أن يصدر منه بعنوان التأديب - لم يصدر منه التأديب الممدوح.
ومن الواضح أن صدوره بعنوانه بالاختيار ليس إلا بكون الفعل - بما له من العنوان الممدوح الملتفت إليه الذي لا وعاء له إلا وجدان فاعله - صادرا منه بالارادة المتعلقة به بعنوانه.
ومنه علم أن عنوان المضر - مثلا - ليس بوجوده الواقعي محكوما بالقبح ، حتى يشك في صدقه على موضوع مفروض صدقه عليه سابقا ، بل بوجوده في وجدان العقل ، وهو مقطوع الارتفاع مع عدم إحراز صدقه.
إذا عرفت ذلك فأعلم : إن تلك العناوين التي لا حسن لها ، ولا قبح لها ، إلا إذا صدرت بعنوانها بالاختيار : تارة - تكون عنوانا لفعل الشخص. وأخرى - تكون عنوانا لفعل الغير.
فان كانت من عناوين فعل المكلف ، فكما لا معنى للشك في نفس الحكم ، كذلك لا شك في موضوعه الكلي ، وكذا في انطباقه على الموضوع الخارجي.
وإن كانت من عناوين فعل الغير أمكن الشك في تطبيق الموضوع الكلي ، دون نفسه ؛ لأن صدوره بعنوانه بالاختيار متقوم باحرازه في وجدان فاعله ، دون غيره ، فاحتمال بقاء الموضوع تطبيقا - لاحتمال صدوره بعنوانه بالاختيار منه - معقول ، ولا مجال لاستصحاب حكمه.
نعم استصحاب موضوعه للتعبد بأثره الشرعي - لا للتعبد بحكمه العقلي ، فانه غير
__________________
(١) ج ٣ « في مبحث الملازمة بين حكمي العقل والشرع » التعليقة ١٤٤.