وهذا جعل تشريعي بالعرض ، لكنه غير مخصوص بالموضوعات المستنبطة لجريانه في كل موضوع وحكم.
نعم حيث أن ثبوتها في مرحلة الحكم مخصوص بالشارع ، فلذا قيل بأنها مخترعة ، ومجعولة تشريعا ، فكأنها متمحضة في التشريعية ، دون غيرها.
ومنها - الأحكام التكليفية ، فان المعروف كونها مجعولة بالجعل التشريعي.
توضيحه : إن حقيقة الجعل هو الايجاد ، فقد يكون منه تعالى بما هو جاعل هويات الممكنات ، فيتمحض في التكوين ، وقد يكون منه تعالى بما هو شارع الشرائع والأحكام لانبعاثه منه بما هو ناظر إلى مصالح العباد ، ودفع ما فيه الفساد ، بالاضافة إلى طائفة من الافعال ، لا بالاضافة الى نظام الكل ، فيكون جعلا تشريعيا.
فكل جعل تشريعي - بهذه الملاحظة - جعل تكويني بالنظر إلى ذاته ، ولا عكس ، إذ لا حقيقة للجعل إلا الايجاد المساوق للتكوين ، والتشريع - بلحاظ إخراجه من العدم إلى الوجود - عين تكوينه.
إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الشخص إذا اشتاق إلى فعل من أفعال نفسه ، وبلغ شوقه حد النصاب ، تحركت عضلاته نحو المشتاق إليه ، فيوجد في الخارج ، وإذا اشتاق إلى فعل الغير ، فلا يكون شوقه - وإن بلغ حد الكمال - علة لحركة عضلات الغير نحو المشتاق إليه ، لأن فعل الغير تحت اختياره لا تحت اختيار المشتاق لفعله.
فلابد له من جعل ما يوجب انقداح الشوق المحرك في نفس الغير ، فما ينبعث من الاشتياق إلى فعل الغير هو الانشاء بداعي جعل الداعي ، وهو حقيقة الحكم التكليفي المجعول من الشارع ، بما هو شارع.
وليس الحكم التكليفي عين الارادة التشريعية ، ليقال : إنها من صفات الذات - سواء كانت عين العلم بالمصلحة أو غيره - فلا جعل ، بل قد عرفت أنه منبعث عنها.
كما أن مجعولات الشارع لا تنحصر في اعتباراته ، كاعتبار الملكية ، كي يتوهم أنه ليس في الأحكام التكليفية اعتبار من الشارع ، بل مجعولاته الوضعية اعتبارات منه ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومجعولاته التكليفية هي الانشاآت الخاصة الصادرة منه - بما هو شارع - وإن كان ينتزع منه عنوان البعث والداعي - اقتضاء وإمكانا - بعد صدوره ، وينتزع منه الباعثية - فعلا - عند تأثيره في انقداح الشوق في نفس المكلف.
ومنها - الأحكام الوضعية المبحوث عنها هنا ، وهي أقسام ثلاثة ، نتعرض لكل منها