كانت الجهة منحصرةً بالضرورة ؛ ضرورةَ صيرورة الإيجاب أو السلب - بلحاظ الثبوت وعدمه - واقعاً ضروريّاً، ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول.
وبالجملة: الدعوى هو انقلاب مادّة الإمكان بالضرورة في ما ليست مادّته واقعاً في نفسه (١) وبلا شرطٍ غيرَ الإمكان.
وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده رحمهالله بإبطال الوجه الأوّل كما زعمه قدسسره (٢) ؛ فإنّ لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما إنّما يكون ضروريّاً مع إطلاقهما، لا مطلقاً ولو مع التقيّد، إلّا بشرط تقيّد المصاديق به أيضاً، وقد عرفت (٣) حال الشرط، فافهم.
ثمّ إنّه لو جَعَلَ التالي في الشرطيّة الثانية لزومَ أخْذِ النوع في الفصل - ضرورةَ أنّ مصداق الشيء الّذي له النطق هو الإنسان - كان أليَق بالشرطيّة الأُولى، بل كان أولى (٤) (٥) ؛ لفساده مطلقاً ولو لم يكن مثل « الناطق » بفصلٍ حقيقيٍّ ؛ ضرورةَ بطلان أخذ (٥) الشيء في لازمه وخاصّته، فتأمّل جيّداً.
__________________
(١) في محتمل الأصل: « واقعاً وفي نفسه »، وفي طبعاته كما أثبتناه.
(٢) قال في الفصول: ٦١: « ولا يذهب عليك: أنّه يمكن التمسّك بالبيان المذكور على إبطال الوجه الأول أيضاً ؛ لأنّ لحوق مفهوم الذات أو الشيء لمصاديقهما أيضاً ضروري، ولا وجه لتخصيصه بالوجه الثاني ».
(٣) آنفاً ؛ إذ قال: وذلك لوضوح أنّ المناط في الجهات وموادّ القضايا....
(٤) في « ن »، حقائق الأُصول ومنتهى الدراية: بل كان الأولى.
(٥) إنّ المفضّل عليه في قوله: « بل كان الأولى » - بحسب سياق الكلام - هو: « الانقلاب »... لكن لا يلائمه التعليل بقوله: « لفساده مطلقاً » ؛ لعدم ارتباطه بالانقلاب أصلاً... فلابدّ من أن يكون المفضّل عليه في قوله: « أولى » هو التالي في الشرطية الأولى وهو دخول العرض العام في الفصل، وهذا وإن كان خلاف السياق، لكن لا محيص عنه بعد ما عرفت من عدم المناسبة بين المفضّل - وهو أخذ النوع في الفصل - وبين المفضّل عليه - وهو الانقلاب - فتدبّر. ( منتهى الدراية ١: ٣٢٠ - ٣٢١ ).