فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمنّي أو الترجّي أو الاستفهام بصيغها تارةً هو ثبوت هذه الصفات حقيقةً، يكون الداعي غيرَها أُخرى.
توهّم انسلاخ صيغ الإنشاء عن معانيها إذا وقعت في كلامه تعالى والجواب عنه
فلا وجه للالتزام بانسلاخ صِيغها عنها واستعمالها في غيرها، إذا وقعت في كلامه تعالى (١) - لاستحالة مثل هذه المعاني في حقّه تبارك وتعالى، ممّا لازمه العجز أو الجهل -، وأنّه لا وجه له (٢) ؛ فإنّ المستحيل إنّما هو الحقيقيّ منها، لا الإنشائيّ الإيقاعيّ الّذي يكون بمجرّد قصد حصوله بالصيغة، كما عرفت.
ففي كلامه - تعالى - قد استعملت في معانيها الإيقاعيّة الإنشائيّة أيضاً، لا لإظهار ثبوتها حقيقةً، بل لأمرٍ آخر - حَسَب ما تقتضيه الحال - من إظهار المحبّة أو الإنكار أو التقرير... إلى غير ذلك.
ومنه ظهر: أنّ ما ذُكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضاً.
المبحث الثاني
صيغة الأمرحقيقة في الوجوب
في أنّ الصيغة حقيقةٌ في الوجوب، أو في الندب، أو فيهما، أو في المشترك بينهما ؟ وجوهٌ، بل أقوال.
لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة.
__________________
(١) تعريض بما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري في مقام الاستدلال على حجية خبر الواحد بآية النفر، حيث قال: « إنّ لفظة ( لعلّ ) بعد انسلاخها عن معنى الترجّي ظاهرة في كون مدخولها محبوباً للمتكلم ». ( فرائد الأُصول ١: ٢٧٧ ). راجع أيضاً حاشية المصنّف على فرائد الأُصول: ٦٧.
(٢) تأكيد لقوله: « فلا وجه للالتزام... ». ( حقائق الأُصول ١: ١٥٨ ).