تأمّل صاحب الفصول في ما أفاده

لكنّه قدس‌سره تنظّر في ما أفاده بقوله: « وفيه نظر ؛ لأنّ الذات المأخوذة مقيّدةً بالوصف - قوّةً أو فعلاً - إن كانت مقيّدةً به واقعاً صَدَقَ الإيجاب بالضرورة، وإلّا صَدَقَ السلب بالضرورة، مثلاً لا يصدق: زيدٌ كاتبٌ بالضرورة، لكن يصدق: زيدٌ الكاتب بالقوة أو بالفعل بالضرورة » (١)(٢) انتهى.

الإشكال على وجه التأمّل

ولا يذهب عليك: أنّ صدق الإيجاب بالضرورة - بشرط كونه (٣) مقيّداً به واقعاً - لا يصحّح دعوى الانقلاب إلى الضروريّة ؛ ضرورةَ صدق الإيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كلِّ قضيّةٍ ولو كانت ممكنة، كما لا يكاد يضرّ بها صدق السلب كذلك بشرط عدم كونه مقيّداً به واقعاً ؛ لضرورة السلب بهذا الشرط.

وذلك لوضوح أنّ المناط في الجهات وموادّ القضايا إنّما هو بملاحظة أنّ نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجَّهةٌ بأيّة جهةٍ منها، ومع أيّة منها في نفسها صادقةٌ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له كذلك (٤)، وإلّا

__________________

(١) الفصول: ٦١.

(٢) ما أثبتناه موافق لما جاء في الفصول وحقائق الأُصول ومحتمل في الأصل أيضاً. ووردت العبارة في بقية طبعات الكتاب هكذا: لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالضرورة. وقال المحقّق الاصفهانيّ: « النسخة المصحّحة - بل المحكيّ عن النسخة الأصليّة - هكذا: لكن يصدق زيد زيد الكاتب بالفعل أو بالقوّة بالضرورة. وأما ما في النسخ الغير ( كذا ) المصحّحة في بيان المثال الثاني: ولكن يصدق زيد الكاتب كاتب بالفعل أو بالقوة بالضرورة، فهو غلط بالضرورة ؛ لأنّ لازم تركّب المشتق تكرّر الموضوع لا تكرّر المحمول ». ( نهاية الدراية ١: ٢١٢ ).

(٣) أي: كون الموضوع مقيداً بالمحمول، فمرجع الضمير حكمي ؛ إذ المذكور في العبارة هو الذات، فالصناعة تقتضي تأنيث ضمير « كونه ». ( منتهى الدراية ١: ٣١٤ ).

(٤) هذا التعبير جارٍ على تعبير الفصول، وإلّا فالثبوت الواقعي وعدمه إنّما يكونان معيارين للصدق والكذب، لا لكون القضية ضرورية سلبيّة أو ايجابيّة، بل المعيار في ذلك شرط الثبوت وشرط عدمه، فالأولى: تبديل قوله: « لا بملاحظة ثبوتها » بقوله: « لا بملاحظة شرط الثبوت أو شرط عدمه ». ( حقائق الأُصول ١: ١٢٦ ). وراجع منتهى الدراية ١: ٣١٦.

۳۸۳۱