مخصِّصاً، ولو في ما كان ظهور العامّ في عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاصّ في الخصوص (١) ؛ لما أُشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه، وندرة النسخ جدّاً في الأحكام.
حقيقة النسخ
ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ.
فاعلم: أنّ النسخ وإن كان رفعَ الحكم الثابت إثباتاً، إلّا أنّه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً، وإنّما اقتضت الحكمة إظهارَ دوام الحكم واستمراره، أو أصلَ إنشائه وإقراره، مع أنّه بحسب الواقع ليس له قرار، أو ليس له دوام واستمرار ؛ وذلك لأنّ النبيّ الصادع للشرع (٢) ربما يُلهَم أو يوحى إليه أن يُظهر الحكم أو استمراره، مع اطّلاعه على حقيقة الحال، وأنّه يُنسِخ في الاستقبال، أو مع عدم اطّلاعه على ذلك ؛ لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه - تبارك وتعالى -. ومن هذا القبيل لعلّه يكون أمرُ إبراهيم عليهالسلام بذبح إسماعيل عليهالسلام.
النسخ لا يستلزم البداء المحال
وحيث عرفت: أنّ النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعاً، وإن كان بحسب الظاهر رفعاً، فلا بأس به مطلقاً، ولو كان قبل حضور وقت العمل ؛ لعدم لزوم البداء المحال في حقّه - تبارك وتعالى -، بالمعنى المستلزم لتغيّر إرادته - تعالى - مع اتّحاد الفعل ذاتاً وجهةً، ولا لزومِ (٣) امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ ؛ فإنّ
__________________
(١) في الأصل: « وإن كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهوره وظهور الخاص في الدوام »، إلّا أنّ في طبعاته مثل ما أثبتناه.
(٢) الأنسب: بالشرع.
(٣) في « ر »، « ق »، « ش » وحقائق الأُصول: « وإلّا لزم ». وفي حقائق الأُصول ١: ٥٤٣: الموجود في بعض النسخ: « ولا لزوم » بدل: « وإلّا لزم ». والظاهر أنه الصحيح، ويكون معطوفاً على قوله: لعدم لزوم البداء. وفي منتهى الدراية ٣: ٦٦٢: الأولى أن يقال: « وعدم لزوم » ؛ لتكون العبارة هكذا: لعدم لزوم البداء المحال... وعدم لزوم امتناع النسخ...