٣ - الكلام في دلالة الأمر تضمّناً على النهي عن الضدّ العام
الأمر الثالث: أنّه قيل (١) بدلالة الأمر بالشيء بالتضمّن على النهي عن الضدّ العامّ - بمعنى الترك -، حيث إنّه يدلّ على الوجوب المركّب من طلب الفعل والمنع عن الترك.
والتحقيق: أنّه لا يكون الوجوب إلّا طلباً بسيطاً، ومرتبةً وحيدةً أكيدةً من الطلب، لا مركّباً من طلبين. نعم، في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ربما يقال: الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك، ويتخيّل منه أنّه يذكر له حدّاً.
فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوّماته، بل من خواصّه ولوازمه، بمعنى: أنّه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضياً به لا محالة، وكان يبغضه البتّة.
دعوى أنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه العام والكلام فيها
ومن هنا انقدح: أنّه لا وجه لدعوى العينيّة (٢) ؛ ضرورةَ أنّ اللزوم يقتضي الاثنينيّة، لا الاتّحاد والعينيّة.
نعم، لا بأس بها، بأن يكون المراد بها أنّه يكون هناك طلب واحد، وهو كما يكون حقيقةً منسوباً إلى الوجود وبعثاً إليه، كذلك يصحّ أن ينسب إلى الترك (٣) بالعرض والمجاز، ويكون زَجْراً ورَدْعاً عنه، فافهم.
__________________
(١) قاله صاحب المعالم في معالمه: ٦٤. (٢) ادّعاها في الفصول: ٩٢.
(٢)
(٣) الطلب لا ينسب إلى الترك أصلاً، بل المنسوب إليه المنع والزجر، فالعبارة لا تخلو من مسامحة، وكأنّ المراد: أنّ الطلب المتعلق بالفعل بما أنه متعلق بالفعل منسوب إلى الترك، فيكون زاجراً عنه ؛ لما عرفت من أنّ الزجر عن الترك ينتزع من مقام إظهار الإرادة، كما ينتزع الوجوب للفعل. ( حقائق الأُصول ١: ٣١٤ ). وراجع نهاية الدراية ٢: ٢٠٨، ومنتهى الدراية ٢: ٤٦٢.