وكذلك لا ريب في عدم صحّة خطاب المعدوم - بل الغائب - حقيقةً، وعدم إمكانه ؛ ضرورةَ عدم تحقّق توجيه الكلام نحو الغير حقيقةً إلّا إذا كان موجوداً، وكان بحيث يتوجّه إلى الكلام ويلتفت إليه.

الكلام في ماوُضعت له أدوات الخطاب

ومنه قد انقدح: أنّ ما وضع للخطاب - مثل أدوات النداء - لو كان موضوعاً للخطاب الحقيقيّ، لأوجب استعمالُه فيه تخصيصَ ما يقع في تلوه بالحاضرين. كما أنّ قضيّة إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره.

لكنّ الظاهر: أنّ مثل أدوات النداء لم يكن موضوعاً لذلك، بل للخطاب الإيقاعيّ الإنشائيّ. فالمتكلّم ربما يُوقع الخطاب بها تحسّراً وتأسّفاً وحزناً، مثل « يا كوكباً ما كان أقصر عمره » (١)، أو شوقاً ونحو ذلك، كما يوقعه مخاطِباً لمن يناديه حقيقةً، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقيّ حينئذٍ التخصيصَ بمن يصحّ مخاطبته.

نعم، لا يبعد دعوى الظهور - انصرافاً - في الخطاب الحقيقيّ، كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجّي والتمنّي وغيرها، على ما حقّقناه في بعض المباحث السابقة (٢) من كونها موضوعةً للإيقاعيّ منها بدواعٍ مختلفة، مع ظهورها في الواقعيّ منها انصرافاً، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه، كما يمكن دعوى وجوده غالباً في كلام الشارع ؛ ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل: « يا أيّها الناس اتّقوا » و « يا أيّها المؤمنون » بمن حضر مجلسَ الخطاب، بلا شبهة ولا ارتياب.

__________________

(١) وتمام البيت: « وكذاك عمر كواكب الأسحار »، وهو من رائيّة أبي الحسن التهامي في رثاء ولده الذي مات صغيراً، راجع الكنى والألقاب ١: ٤٨ - ٤٩.

(٢) في المبحث الأول من مباحث صيغة الأمر في الصفحة: ١٠٠ ؛ قال: إيقاظ: لا يخفى أنّ ما ذكرناه في صيغة الأمر جارٍ في سائر الصيغ الانشائية....

۳۸۳۱