تأمّل في ما ذكرناه في المقام، تعرف حقيقةَ المرام، كي لا تقع في ما وقع فيه من الاشتباه بعضُ الأعلام.

٣ - امتناع التمسّك بإطلاق الأمر لإثبات التوصّليّة

ثالثتها (١): إنّه إذا عرفت - بما لا مزيد عليه - عدمَ إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلاً، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه - ولو كان مسوقاً في مقام البيان - على عدم اعتباره، كما هو أوضح من أن يخفى، فلا يكاد يصحّ التمسّك به إلّا في ما يمكن اعتباره فيه.

فانقدح بذلك: أنّه لا وجه لاستظهار التوصّليّة من إطلاق الصيغة بمادّتها (٢)، ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه - ممّا هو ناشئ من قِبَل الأمر - من إطلاق المادّة في العبادة لو شكّ في اعتباره فيها.

إمكان التمسّك بالإطلاق المقامي لإثبات التوصّليّة

نعم، إذا كان الآمر في مقامٍ بصدد بيان تمام ما له دَخْلٌ في حصول غرضه، وإن لم يكن له دَخْلٌ في متعلَّق أمره، ومعه سكتَ في المقام، ولم ينصب دلالةً على دَخْلِ قصد الامتثال في حصوله، كان هذا قرينةً على عدم دخله في غرضه، وإلّا لكان سكوته نقضاً له وخلافَ الحكمة.

مقتضى الأُصول العمليّة: الاشتغال

فلابدّ عند الشكّ وعدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل، ويستقلّ به العقل.

__________________

(١) هذه هي نفس النتيجة، لا من المقدّمات التي يتوقّف عليها إبطال التمسك بإطلاق الصيغة لإثبات التوصلية. ( عناية الأُصول ١: ٢٢٤ ).

(٢) تعريضٌ بالشيخ الأعظم الأنصاريّ، حيث قال - على ما في تقريرات بحثه -: « فالحقّ الحقيق بالتصديق هو أنّ ظاهر الأمر يقتضى التوصّليّة ؛ إذ ليس المستفاد من الأمر إلّا تعلّق الطلب الذي هو مدلول الهيئة للفعل على ما هو مدلول المادة. ( مطارح الأنظار ١: ٣٠٤ ). لكنه ذكر هذا الاستظهار بعد بيان امتناع الإطلاق... والظاهر: أنّ مراده وجوب الحكم بعدم تقييد موضوع المصلحة بمجرّد عدم بيان تقييده ؛ لأصالة عدمه، كما صرّح به، فلاحظ. راجع حقائق الأُصول ١: ١٧٥.

۳۸۳۱