الدليل الثاني
وأيضاً لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم: أُريد الحجّ، وأُريد المسير الّذي يتوصّل به إلى فعل الواجب، دون ما لم يتوصّل به إليه، بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك، كما أنّها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيّتها له مطلقاً، أو على تقدير التوصّل بها إليه، وذلك آيةُ عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدّماته على تقدير عدم التوصّل بها إليه.
الدليل الثالث
وأيضاً حيث إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب وحصوله، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه وحصولُه معتبراً في مطلوبيّتها، فلا تكون مطلوبةً إذا انفكّت عنه، وصريح الوجدان قاضٍ بأنّ من يريد شيئاً لمجرّد حصول شيءٍ آخر، لا يريده إذا وقع مجرّداً عنه، ويلزم منه أن يكون وقوعه على وجه المطلوب منوطاً بحصوله » (١). إنتهى موضعُ الحاجة من كلامه، زيد في علوّ مقامه.
الإشكال في أدلّة الفصول: الإشكال على الدليل الأول
وقد عرفت (٢) بما لا مزيد عليه: أنّ العقل الحاكم بالملازمة دلّ على وجوب مطلق المقدّمة، لا خصوص ما إذا ترتّب عليها الواجب، في ما لم يكن هناك مانع عن وجوبه - كما إذا كان بعض مصاديقه محكوماً فعلاً بالحرمة - ؛ لثبوت مناط الوجوب حينئذٍ في مطلقها، وعدمِ اختصاصه بالمقيّد بذلك منها.
الإشكال على الدليل الثاني
وقد انقدح منه: أنّه ليس للآمر الحكيم - غير المجازف بالقول - ذلك التصريحُ، وأنّ دعوى: أنّ الضرورة قاضية بجوازه، مجازفةٌ. كيف يكون ذا، مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت أصلاً ؟ كما عرفت (٣).
__________________
(١) راجع الفصول: ٨٦.
(٢) آنفاً، في الصفحة ١٦١: أمّا عدم اعتبار قصد التوصل....
(٣) عند قوله آنفاً: وليس الغرض من المقدمة إلّا حصول ما لولاه... في الصفحة ١٦٣.