إنّ الطبائع من حيث هي هي وإن كانت ليست إلّا هي، ولا تتعلّق بها الأحكام الشرعيّة - كالآثار العاديّة والعقليّة -، إلّا أنّها مقيّدةً بالوجود - بحيث كان القيد خارجاً والتقيّد داخلاً - صالحةٌ لتعلُّقِ الأحكام بها.
ومتعلّقا الأمر والنهي على هذا لا يكونان متّحدين أصلاً، لا في مقام تعلّق البعث والزجر، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار:
أمّا في المقام الأوّل: فلتعدّدهما بما هما متعلّقان لهما، وإن كانا متّحدين في ما هو خارج عنهما بما هما كذلك.
وأمّا في المقام الثاني: فلسقوط أحدهما بالإطاعة، والآخر بالعصيان بمجرّد الإتيان، ففي أيّ مقام اجتمع الحكمان في واحد ؟
وأنت خبير: بأنّه لا يكاد يُجدي بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لا يوجب تعدّد المعنون، لا وجوداً ولا ماهيّةً، ولا تنثلم به وحدتُه أصلاً، وأنّ المتعلّق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنّها إنّما تؤخذ في المتعلّقات بما هي حاكيات - كالعبارات -، لا بما هي على حيالها واستقلالها.
إشارة إلى دليل آخر على الجواز والجواب عنه
كما ظهر ممّا حقّقناه: أنّه لا يكاد يُجدي أيضاً كون الفرد مقدّمةً لوجود الطبيعيّ المأمور به أو المنهيّ عنه (١)، وأنّه لا ضير في كون المقدّمة محرّمةً في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار (٢) ؛ وذلك - مضافاً إلى وضوح فساده، وأنّ الفرد هو عين الطبيعيّ في الخارج، كيف ؟ والمقدّميّة
__________________
(١) إشارة إلى الجزء الثاني من الدليل الأول للمحقّق القمّي. راجع القوانين ١: ١٤١.
(٢) أيضاً إشارة إلى كلام آخر للمحقّق القمّي، راجع المصدر: ١٤١. لكنّه لم يقيّد الانحصار بسوء الاختيار، كما قيّده المصنّف هنا. أُنظر عناية الأُصول ٢: ٦٨.