وبالجملة: كان قبل ذلك متمكّناً من التصرّف خروجاً، كما يتمكّن منه دخولاً، غاية الأمر يتمكّن منه بلا واسطة، ومنه بالواسطة. ومجرّدُ عدم التمكّن منه إلّا بواسطةٍ لا يُخرجه عن كونه مقدوراً، كما هو الحال في البقاء، فكما يكون تركه مطلوباً في جميع الأوقات، فكذلك الخروج، مع أنّه مثله في الفرعيّة على الدخول، فكما لا تكون الفرعيّة مانعةً عن مطلوبيّته قبلَه وبعدَه، كذلك لم تكن مانعةً عن مطلوبيّته، وإن كان العقل يحكم بلزومه، إرشاداً إلى اختيار أقلّ المحذورين وأَخفّ القبيحين.
حكم شرب الخمر علاجاً
ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاً وتخلّصاً عن المهلكة، وأنّه إنّما يكون مطلوباً على كلّ حالٍ لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار، وإلّا فهو على ما هو عليه من الحرمة، وإن كان العقل يُلزمه، إرشاداً إلى ما هو أهمّ وأولى بالرعاية من تركه ؛ لكون الغرض فيه أعظم.
فمن تَرَكَ الاقتحام في ما يؤدّي إلى هلاك النفس، أو شَربَ الخمر لئلّا يقع في أشدّ المحذورين منهما، فيصدق (١) أنّه تَرَكَهما، ولو بتركه ما لو فَعَلَه لأدّى - لا محالة - إلى أحدهما، كسائر الأفعال التوليديّة (٢)، حيث يكون العمدُ إليها بالعمد إلى أسبابها، واختيارُ تركها بعدم العمد إلى الأسباب، وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج، وإن كان لازماً عقلاً، للفرار عمّا هو أكثر عقوبةً.
__________________
(١) كذا، والأولى: « يصدق » كما استظهر في هامش « ق » و « ش ».
(٢) كان الأولى أن يقول: نظير الأفعال التوليديّة ؛ فإنّ شرب الخمر ليس من الأفعال التوليديّة. ( حقائق الأُصول ١: ٣٩٧ ) وراجع كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٢: ١٧٣.