كفاية الوجدان عن إقامة البرهان على المسألة

وفي مراجعة الوجدان للإنسان غنىً وكفايةٌ عن إقامة البرهان على ذلك ؛ حيث يرى - إذا راجعه - أنّه لا غرض له في مطلوباته إلّا نفس الطبائع، ولا نظر له إلّا إليها، من دون نظر إلى خصوصيّاتها الخارجيّة وعوارضها العينيّة، وأنّ نفس وجودها السِعيّ - بما هو وجودها - تمامُ المطلوب، وإن كان ذاك الوجود لا يكاد ينفكّ في الخارج عن الخصوصيّة.

المراد بتعلّق الأوامر بالطبائع

فانقدح بذلك أنّ المراد بتعلّق الأوامر بالطبائع دون الأفراد: أنّها بوجودها السِعيّ بما هو وجودها - قبالاً لخصوص الوجود - متعلّقةٌ للطلب، لا أنّها بما هي هي كانت متعلّقة له - كما ربما يتوهّم - ؛ فإنّها كذلك ليست إلّا هي. نعم، هي كذلك تكون متعلّقة للأمر، فإنّه طلب الوجود، فافهم.

دفع وهْمٍ في المسألة

دَفْعُ وهْمٍ:

لا يخفى: أنّ كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلّقاً للطلب، إنّما يكون بمعنى أنّ الطالب يريد صدورَ الوجود من العبد، وجعْلَه بسيطاً - الّذي هو مفاد « كان » التامّة - وإفاضتَه. لا أنّه يريد ما هو صادرٌ وثابتٌ في الخارج، كي يلزم طلب الحاصل - كما تُوُهّم (١) -. ولا جعْلَ الطلب متعلّقاً بنفس الطبيعة، وقد جُعِل وجودها غايةً لطلبها.

وقد عرفت: أنّ الطبيعة بما هي هي ليست إلّا هي، لا يعقل أن يتعلّق بها طلب لتوجد أو تترك، وأنّه لابدّ في تعلّق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها، فيلاحظ وجودها، فيطلبه ويبعث إليه كي يكون ويصدر منه.

هذا بناءً على أصالة الوجود.

__________________

(١) راجع الفصول: ٧٤ و١٢٦.

۳۸۳۱