كان هناك إرادة فكيف تتخلّف عن المراد (١) ؟ ولا تكاد تتخلّف، إذا أراد الله شيئاً يقول له: كن، فيكون.
وأمّا الدفع فهو: أنّ استحالة التخلّف إنّما تكون في الإرادة التكوينيّة - وهي العلم بالنظام على النحو الكامل التامّ - دون الإرادة التشريعيّة - وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلّف -، وما لا محيصَ عنه في التكليف إنّما هو هذه الإرادة التشريعيّة، لا التكوينيّة، فإذا توافقتا فلابدّ من الإطاعة والإيمان، وإذا تخالفتا فلا محيصَ عن أن يختار الكفر والعصيان.
شبهة الجبر و ردّها
إن قلت: إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والإيمان بإرادته - تعالى - الّتي لا تكاد تتخلّف عن المراد، فلا يصحّ أن يتعلّق بها التكليف ؛ لكونها خارجةً عن الاختيار المعتبر فيه عقلاً.
قلت: إنّما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم يكن تعلّق الإرادة بها مسبوقاً (٢) بمقدّماتها الاختياريّة (٣)، وإلّا فلابدّ من صدورها بالاختيار، وإلّا لزم تخلّف إرادته عن مراده، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.
الإشكال في عقاب العاصي و الجواب عنه
إن قلت: إنّ الكفر والعصيان - من الكافر والعاصي - ولو كانا مسبوقين بإرادتهما، إلّا أنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار، كيف ؟ وقد سبقتهما (٤) الإرادةُ الأزليّة والمشيّة الإلهيّة، ومعه كيف تصحّ المؤاخذة على ما يكون بالأخرة بلا اختيار ؟
__________________
(١) أُسلوب الكلام يقتضي أن تكون العبارة هكذا: « وإمّا أن تتخلّف الإرادة عن المراد إن كان هناك إرادة توجب كون التكليف جدّياً ». راجع منتهى الدراية ١: ٤٠٠.
(٢) في غير « ر »: مسبوقةً.
(٣) كان الأولى أن يقول: « بمقدماتها الموجبة لكونها اختيارية » ؛ إذ مقدّمات الفعل ليست اختيارية، بل نفس الفعل اختياري. ( حقائق الأُصول ١: ١٥٤ ).
(٤) أثبتنا الكلمة من محتمل الأصل ومنتهى الدراية، وفي سائر الطبعات: سبقهما.