قلت: - مضافاً إلى القطع بأنّه ليس في العبادات إلّا أمر واحد، كغيرها من الواجبات والمستحبّات، غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجوداً وعدماً فيها المثوبات والعقوبات، بخلاف ما عداها، فيدور فيه خصوص المثوبات، وأمّا العقوبة فمترتّبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة - إنّ الأمر الأوّل:
إن كان يسقط بمجرّد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال - كما هو قضيّة الأمر الثاني - فلا يبقى مجال لموافقة الثاني، مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله، فلا يتوسّل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة.
وإن لم يكد يسقط بذلك، فلا يكاد يكون له وجهٌ إلّا عدمُ حصول غرضه بذلك من أمره ؛ لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله، وإلّا لما كان موجباً لحدوثه، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدّد الأمر ؛ لاستقلال العقل - مع عدم حصول غرض الآمر بمجرّد موافقة الأمر - بوجوب الموافقة على نحوٍ يحصل به غرضه، فيسقط أمره.
هذا كلّه إذا كان التقرّب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.
وأمّا إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه، أو كونه ذا مصلحة (١)(٢)، فاعتباره في متعلّق الأمر وإن كان بمكانٍ من الإمكان، إلّا أنّه غير معتبر فيه قطعاً ؛ لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال، الّذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه بداهةً.
__________________
(١) في « ن »، « ر » و « ق » زيادة: أو له تعالى.
(٢) على ما نسب إلى الشيخ الأنصاري من أنّه جعل قصد الجهة والمصلحة في عرض قصد امتثال الأمر، خلافاً لصاحب الجواهر، حيث اقتصر كون الشيء قربيّاً وعبادة على قصد الأمر، وجعل بقية الدواعي القربيّة في طول هذا الداعي لا في عرضه. ( شرح كفاية الأُصول للشيخ عبد الحسين الرشتي ١: ١٠٤ ).