ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الواجب - ولو كان معيّناً - ليس إلّا لأجل أنّ في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها، من دون أن يكون في تركه مفسدة، كما أنّ الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

ولكن يرد عليه: أنّ الأولويّة مطلقاً ممنوعة، بل ربما يكون العكس أولى، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرّمات مع ترك بعض الواجبات، خصوصاً مثل الصلاة وما يتلو تلوها.

ولو سلّم فهو أجنبيّ عن المقام (*)؛ فإنّه في ما إذا دار بين الواجب والحرام.

ولو سلّم فإنّما يُجدي في ما لو حصل به القطع.

ولو سلّم أنّه يُجدي ولو لم يحصل، فإنّما يُجدي (١) في ما لا يكون هناك مجالٌ لأصالة البراءة أو الاشتغال، كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيّين، لا في ما تجري، كما في محلّ الاجتماع ؛ لأصالة البراءة عن حرمته، فيحكم بصحّته، ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الشكّ في الأجزاء والشرائط، فإنّه لا مانع عقلاً إلّا فعليّة الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلاً ونقلاً (٢).

نعم، لو قيل (**) بأنّ المفسدة الواقعيّة الغالبة مؤثّرةٌ في المبغوضيّة ولو لم

__________________

(*) فإنّ الترجيح به إنّما يناسب ترجيح المكلّف، واختياره للفعل أو الترك، بما هو أوفق بغرضه، لا المقام، وهو مقام جعل الأحكام ؛ فانّ المرجّح هناك ليس إلّا حسنها أو قبحها العقليّان، لا موافقة الأغراض ومخالفتها، كما لا يخفى، تأمّل تعرف. ( منه قدس‌سره ).

(١) في « ق » و « ش »: يجري.

(٢) في « ق »: المرفوعة عقلاً ونقلاً بأصالة البراءة عنها.

(**) كما هو غير بعيد كلّه، بتقريب: أنّ إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتيّة كافٍ في تأثيرها بما لها من المرتبة، ولايتوقّف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها. ولذا كان العلم بمجرّد حرمة شيءٍ موجباً لتنجّز حرمته على ما هي عليه من المرتبة، ولو كانت في أقوى مراتبها، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدّتها، كما لا يخفى، هذا.

لكنّه إنّما يكون إذا لم يحرز أيضاً ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضيّة. وأمّا معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز أنّه ذو مصلحة أو مفسدة ممّا لا يستقلّ العقل بحسنه أو قبحه، وحينئذٍ يمكن أن يقال بصحّته عبادةً لو أتى به بداعي الأمر المتعلّق بما يصدق عليه من الطبيعة، بناءً على عدم اعتبار أزيد من إتيان العمل قُربيّاً في العبادة، وامتثالاً للأمر بالطبيعة، وعدم اعتبار كونه ذاتاً راجحاً. كيف ؟ ويمكن أن لا يكون جلّ العبادات ذاتاً راجحاً، بل إنّما يكون كذلك في ما إذا أُتي بها على نحوٍ قربيّ.

نعم، المعتبر في صحّته عبادةً إنّما هو أن لا يقع منه مبغوضاً عليه، كما لا يخفى. وقولنا: « فتأمّل » إشارة إلى ذلك. ( منه قدس‌سره ).

۳۸۳۱