ضرورةَ أنّه لا منشأ لتوهُّمِ توقّف أحد الضدّين على عدم الآخر إلّا توهّم مانعيّة الضدّ - كما أشرنا إليه (١) - وصلوحِه لها.
إن قلت: التمانع بين الضدّين كالنار على المنار، بل كالشمس في رابعة النهار، وكذا كون عدم المانع ممّا يتوقّف عليه، ممّا لا يقبل الإنكار، فليس ما ذُكر إلّا شبهة في مقابل البديهة.
قلت: التمانع بمعنى التنافي والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، إلّا أنّه لا يقتضي إلّا امتناعَ الاجتماع، وعدمَ وجود أحدهما إلّا مع عدم الآخر الّذي هو بديلُ وجودِهِ المعاند له، فيكون في مرتبته، لا مقدّماً عليه ولو طبعاً (٢). والمانع الّذي يكون موقوفاً على عدمه الوجود (٣) هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره، لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده.
نعم، العلّة التامّة لأحد الضدّين ربما تكون مانعاً عن الآخر، ومزاحماً (٤) لمقتضيه في تأثيره، مثلاً: تكون شدّة الشفقة على الولد الغريق وكثرة المحبّة له، تمنع عن أن يؤثّر ما في الأخ الغريق من المحبّة والشفقة، لإرادة إنقاذه مع
__________________
(١) في قوله آنفاً: « إنّ توهّم توقّف الشيء على ترك ضدّه ليس إلّا من جهة المضادّة والمعاندة بين الوجودين... ». انظر الصفحة: ١٨٢.
(٢) الظاهر: زيادة كلمة « ولو » ؛ إذ التقدّم على فرضه ليس في العلّة الناقصة إلّا طبعيّاً. ( منتهى الدراية ٣: ٤٤٦ ).
(٣) أدرجنا ما ورد في هامش الأصل، وفي الأصل و « ن »، « ق »، « ر » و « ش »: والمانع الذي يكون موقوفاً عليه الوجود. وفي حقائق الأُصول ومنتهى الدراية: والمانع الذي يكون موقوفاً على عدم الوجود. يراجع منتهى الدراية ٢: ٤٤٧.
(٤) كذا، والمناسب: مانعة عن الآخر ومزاحمة.