طلبه، وإنشاء إرادته بعثاً نحوَ مطلوبه الحقيقيّ، وتحريكاً إلى مراده الواقعيّ - لا ينافي اتّصافَه بالطلب الإنشائيّ أيضاً. والوجودُ الإنشائيّ لكلّ شيءٍ ليس إلّا قصد حصول مفهومه بلفظه، كان هناك طلبٌ حقيقيٌّ أو لم يكن، بل كان إنشاؤه بسببٍ آخر.
ولعلّ منشأ الخلط والاشتباه: تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق، فتُوهِّم منه أنّ مفاد الصيغة يكون طلباً حقيقيّاً، يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع.
ولعمري أنّه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، فالطلب الحقيقيّ إذا لم يكن قابلاً للتقييد لا يقتضي أن لا يكون مفاد الهيئة قابلاً له، وإن تعارف تسميته بالطلب أيضاً. وعدم تقييده بالإنشائيّ لوضوح إرادة خصوصه، وأنّ الطلب الحقيقيّ لا يكاد ينشأ بها، كما لا يخفى.
فانقدح بذلك: صحّة تقييد مفاد الصيغة بالشرط، كما مرّ هاهنا بعض الكلام (١)، وقد تقدّم في مسألة اتّحاد الطلب والإرادة (٢) ما يُجدي في المقام.
هذا إذا كان هناك إطلاق، وأمّا إذا لم يكن، فلابدّ من الإتيان به في ما إذا كان التكليف بما احتمل كونه شرطاً له فعليّاً ؛ للعلم بوجوبه فعلاً، وإن لم يُعلم جهة وجوبه، وإلّا فلا (٣) ؛ لصيرورة الشكّ فيه بدويّاً، كما لا يخفى.
__________________
(١) في الواجب المطلق والمشروط، عند الكلام عن دوران القيد بين رجوعه إلى الهيئة أو المادّة.
(٢) في بداية الجهة الرابعة من الجهات المتعلّقة بمادّة الأمر، حيث أفاد: أنّ... معنى الأمر ليس هو الطلب الحقيقي... بل الطلب الإنشائي. راجع الصفحة: ٩٣.
(٣) الأولى بسلاسة العبارة أن يقول: وإن لم يكن التكليف به فعلياً، فلا يجب الإتيان به. ( منتهى الدراية ٢: ٢٤٩ ).