يقبل الصدق والكذب وليس ذلك إلّا في الجملة الخبرية ، وأمّا الإنشائية فغير قابلة للصدق والكذب ، لما ذكرنا في محلِّه (١) أنّ الإنشاء إبراز أمر اعتباري نفساني ولم يكن فيه حكاية عن الخارج ليتصف بالصدق والكذب ، فبقرينة التفصيل بين الصادق والكاذب يعلم أنّ الحكم يختص بالحلف في مورد الجملة الخبرية.
وعلى ذلك تحمل معتبرة أبي بصير قال : «سألته عن المحرم يريد أن يعمل فيقول له صاحبه : والله لا تعمله ، فيقول : والله لأعملنّه فيحالفه مراراً ، يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال : لا إنّما أراد بهذا إكرام أخيه ، إنّما كان ذلك ما كان لله عزّ وجلّ فيه معصية» (٢) فانّ المستفاد منها أنّ الحلف المحرّم هو الحلف الاخباري وأمّا الحلف التكريمي الّذي هو مجرد وعد لمؤمن فلا معصية فيه.
فالحكم يختص بما إذا أخبر عن شيء نفياً أو إثباتاً فحلف عليه بالقول المخصوص ، وأمّا الوعد على شيء والإنشاء به على عمل أو ترك شيء فغير داخل في موضوع الحكم ، لأنّه غير قابل للصدق والكذب.
ومنه يظهر أنّه لا بأس بالحلف في التعارفات الدارجة بين الناس لعدم كونه إخباراً عن شيء ، فاستثناء ذلك من الحلف المحرم من الاستثناء المنقطع لعدم دخوله في الحلف الممنوع ، لأن موضوع المنع هو الحلف في مورد الجملة الخبرية المحتملة للصدق والكذب ، وأمّا ما لا يحتمل للصدق والكذب فغير داخل في موضوع الحكم أصلاً.
الجهة الرابعة : هل الجدال يتحقق بمجموع هذين اللفظين ، أعني : لا والله ، وبلى والله ، أو يتحقق بكل منهما مستقلا؟
الظاهر هو الثاني ، لأن إحدى الجملتين تستعمل في الإثبات ، والأُخرى تستعمل في النفي ، ولا يمكن استعمالهما في مقام واحد ، بل الشائع المتعارف استعمال بلى والله في مقام الإثبات ، ولا والله في مقام النفي ، ولا يستعملان في مورد واحد ، فالجدال يتحقق بكل واحد منهما منفرداً عن الآخر.
__________________
(١) في محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٨٧.
(٢) الوسائل ١٢ : ٤٦٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٧.