الرّابع : الرّجوع إلى الكفاية ، وهو التمكّن بالفعل أو بالقوّة من إعاشة نفسه وعائلته بعد الرّجوع ، وبعبارة واضحة : يلزم أن يكون المكلّف على حالة لا يخشى معها على نفسه وعائلته من العوز والفقر بسبب صرف ما عنده من المال في سبيل الحجّ ، وعليه فلا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي بمصارف الحجّ وكان ذلك وسيلة لإعاشته وإعاشة عائلته ، مع العلم بأنّه لا يتمكّن من الإعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه (١).


والقرب من جهة الغلبة ، فإنّ الأكثر مسافة يستدعي أكثر اجرة وقيمة ، كما أنّ الأقل مسافة يستدعي أقل نفقة وأُجرة غالباً ، وربّما يعكس الأمر فقد يكون أقرب مسافة يحتاج إلى الأكثر اجرة وقيمة ، والأكثر مسافة يستدعي أقل نفقة كالعود إلى العراق بطريق البر ، والعود إلى الشام من طريق الجو الّذي هو أقل مسافة ولكنّه أكثر اجرة فالعبرة في الحقيقة بالأقل والأكثر نفقة ، فالأحسن أن يفصّل بنحو آخر ذكره سيِّدنا الأُستاذ (ذمّ ظله) في الشرح على العروة (١).

وحاصله : أنّه قد يفرض عدم تمكّنه من العود إلى بلده ولكن لا بدّ له من أن يذهب إلى بلد آخر ، فحينئذ يعتبر وجود نفقة الذهاب إلى ذلك البلد وإن كان أبعد لأنّ الرّجوع إلى وطنه كالعراق غير ممكن له ، وبقاؤه في مكّة حرجي عليه ، والمفروض لزوم الذهاب إلى بلد آخر ، فيعتبر وجود نفقة الذهاب إلى ذلك البلد.

وقد يفرض أنّه يريد الذهاب إلى بلد آخر لرغبته الشخصيّة ، فلا عبرة في نفقة الذهاب إلى ذلك البلد بالقرب والبعد ، بل العبرة حينئذ بكثرة القيمة وقلّتها ، فإن كان الذهاب إلى ذلك البلد الّذي يريد البقاء فيه اختياراً يستدعي الصرف أكثر من العود إلى وطنه وإن كان أقل مسافة ، فالعبرة بمقدار نفقة العود إلى وطنه ، وإن كان الذهاب إليه يحتاج إلى الأقل أُجرة فالعبرة بذلك وإن كان أبعد مسافة كالمثال المتقدّم.

(١) وعمدة ما يدل على اعتبار ذلك إنّما هي قاعدة نفي العسر والحرج ، وأمّا الأخبار الّتي استدلّ بها على ذلك فكلّها ضعيفة إلّا خبر أبي الربيع الشامي ، قال :

__________________

(١) شرح العروة ٢٦ : ٧٥.

۵۵۴