فإذن يقع الكلام في تقييد الدهن بكونه طيباً في كلام المحقق فنقول :
إنّ الدهن على قسمين : قسم لا يعد للأكل بل يتنفر منه الطبع ، وإنّما يستعمل للإسراج به أو العلاج والتدليك به ونحو ذلك ، كدهن الخِرْوَع والدهون المتخذة من النفط ، وقسم يعد للأكل وله رائحة طيبة لطيفة كدهن الحر ودهن الزيت ، ونحو ذلك من الدهون المعدة للأكل الّتي يقبلها الطبع ، ولكن مع ذلك لا يدخل بذلك في عنوان الطيب والعطور ، فالمراد بالدهن الطيب هو الّذي يستعمل في الأكل ، ويشهد لما ذكرنا قوله عليهالسلام : في صحيح معاوية بن عمار «إنّه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلّا المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به» (١) فانّ الظاهر أنّ الاستثناء متصل ، فيكون الزيت من الدهن الطيب ، فإطلاق الطيب على الزيت وشبهه باعتبار استعداده للأكل ، مع أنّه لم يكن من العطور.
وإن كان المراد من كلامه الدهن الصادق عليه عنوان الطيب ، يعني استعمال الدهن الطيب ، أي الدهن الّذي فيه رائحة طيبة ، فيسأل ما الوجه في تقييد الدهن بذلك ، مع أن خبر معاوية بن عمار ذكر فيه دهن البنفسج (٢) ، وليس من الطيب قطعاً ، بل المعروف عند عامّة الناس أنّ الدهن المستعمل في العلاج كلّ ما فسد وصار عتيقاً كان للعلاج أفيد ، فدهن البنفسج إذا كان جديداً قد تكون فيه رائحة طيبة ، وأمّا إذا صار عتيقاً وفسد يستعمل في التداوي فلا موجب لهذا التقييد ، فان لم نلتزم برواية معاوية ابن عمار المقطوعة فالكفارة غير ثابتة على الإطلاق ، ولو عملنا برواية معاوية بن عمار فمقتضى الاحتياط الالتزام بالكفّارة على الإطلاق ، سواء كان للدهن رائحة طيبة أم لا.
فرع : هل يجوز الادهان قبل الإحرام بحيث يبقى أثره بعد الإحرام ، أو أنّ المحرّم كون البدن مدهناً حال الإحرام ، ولو بالادهان قبله؟.
وبعبارة اخرى : الممنوع المعنى المصدري والإحداث بعد الإحرام ، أو أنّ الممنوع
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٤٤٤ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨.
(٢) الوسائل ١٣ : ١٥١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥.