مسألة ٥٤ : يجوز للباذل الرّجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام أو بعده (١).
وفي التهذيب عكس الأمر ، ووافق المشهور فإنّه ذكر أوّلاً صحيح معاوية بن عمار الدال على الإجزاء «قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه أيجزئه ذلك عنه عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : بلى ، هي حجّة تامّة» ثمّ ذكر صحيح الفضل وحمله على الاستحباب (١).
ولا ريب أن ما ذكره في التهذيب هو الصحيح كما عليه المشهور ، لأنّ صحيح معاوية لم يكن مقتصراً بالحكم بالصحّة حتّى لا ينافي الوجوب مرّة ثانية ، بل هو صريح في الإجزاء عن حجّة الإسلام ، فلا محيص من حمل صحيح الفضل على الاستحباب إذ لا يمكن الالتزام بالوجوب مرّة ثانية ، لأنّ حجّ الإسلام في العمر مرّة واحدة كما صرّح بذلك في صحيح هشام «وكلفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك» (٢) ، فإذا قضى المكلّف حجّة الإسلام فليس بعد ذلك إلّا الندب.
(١) أمّا الرّجوع قبل الدخول في الإحرام فلا ينبغي الرّيب في جوازه في نفسه مع قطع النظر عن أسباب أُخر لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، ولا موجب لعدم جواز الرّجوع ، ومجرّد الوعد والقول بالبذل لا يوجب عدم جواز الرّجوع عن بذله وأمّا جوازه بعد تلبس المبذول له بالإحرام ففيه كلام.
فربما يقال بعدم جوازه لوجوب إتمام العمل على المبذول له ، فإذا وجب عليه الإتمام فليس للباذل الرّجوع لاسلتزامه تفويت الواجب عليه وعدم قدرته من الإتمام ، نظير من أذن لغيره الصلاة في ملكه فإنّه بعد الشروع في الصلاة ليس للمالك الرّجوع عن إذنه لأنّه يستلزم قطع الصلاة وهو محرم شرعاً.
والجواب عنه أوّلاً : بأنّه يتوقّف على الالتزام بوجوب الإتمام على المبذول له
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٧.
(٢) الوسائل ١١ : ١٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣ ح ١.