وكذا السيِّد في المدارك اختار أنّ المراد بالفسوق هو الكذب فقط (١) ، بدعوى أنّ الجمع بين صحيح معاوية بن عمار وصحيح علي بن جعفر يقتضي المصير إلى أنّ الفسوق هو الكذب خاصّة ، لاقتضاء صحيح معاوية بن عمار نفي المفاخرة وصحيح علي بن جعفر نفي السباب ، فيؤخذ بالمتفق عليه منهما وهو الكذب ويتساقطان بالنسبة إلى السب والمفاخرة.
وهذا من مثله عجيب ، وذلك فلأنّ التعارض إنّما هو بين منطوق أحدهما ومفهوم الآخر ، لأن منطوق صحيح معاوية بن عمار يدل على تفسير الفسوق بالكذب والسباب وبالمفهوم المستفاد من الحصر يدل على عدم المنع من المفاخرة ، وكذا صحيح علي بن جعفر بالمنطوق يدل على حرمة الكذب والمفاخرة وبمفهوم الحصر يدل على عدم كون السب من تروك الإحرام ، فمفهوم كل منهما يدل على جواز السباب والمفاخرة ، وحيث إن دلالة المفهوم بالظهور ودلالة المنطوق بالصراحة فيرفع اليد عن ظهور كل منهما بصراحة المنطوق في كل منهما ، فالنتيجة حرمة الجميع وأنّ السب والكذب والمفاخرة من الفسوق. بل لو فرضنا أنّ الروايات الضعيفة المفسرة للفسوق بالكذب خاصّة كانت معتبرة ، كانت القاعدة تقتضي ما ذكرناه.
ثمّ إنّ المفاخرة إن أُخذ في عنوانها نفي الفضيلة عن المخاطب وإثبات منقصة ورذيلة عليه ، فلا ريب في الحرمة ودخولها في صحيح علي بن جعفر ، وإن لم تستلزم ذلك ولا تمس كرامة أحد وإنّما يثبت المحرم فضيلة لنفسه أو ينفي رذيلة عنها من دون تعريض لمؤمن آخر ومن دون أن يمس كرامة أحد من المؤمنين ، فان لم يصدق عنوان المفاخرة على ذلك فهو ، وإن صدق عليه فلا بدّ من إخراجه عن المفاخرة الممنوعة في صحيح علي بن جعفر ، لعدم احتمال حرمة هذا النحو من المفاخرة ، ويكون إطلاق المفاخرة المذكورة في الصحيح غير شامل لهذا النوع من المفاخرة ، لأن رواية علي بن جعفر في مقام تفسير الفسوق والخروج عن الجادة المستقيمة ، وهذا النوع من المفاخرة ليس من الفسوق ، فلا ينطبق عليه عنوان الفسوق والخروج عن الحدود الشرعية.
__________________
(١) المدارك ٧ : ٣٤١.