وعن الشيخ في التبيان أنّ المراد به جميع المعاصي الّتي نهي المحرم عنها (١). وهذا اجتهاد منه في مقابلة النصوص المفسرة للفسوق ، فانّ الاجتناب عن المعاصي بل عن كل رذيلة وإن كان ممدوحاً في نفسه خصوصاً في حال الإحرام ولكن لا وجه لحمل الفسوق على ذلك ، بعد تفسيره في النصوص المعتبرة بالكذب والسباب أو المفاخرة.
وفي صحيح علي بن جعفر فسّر الفسوق بالكذب والمفاخرة (٢) فان قلنا بأنّ المفاخرة لا تنفك عن السباب ، فانّ المفاخرة إنّما تتم بذكر فضائل لنفسه وسلبها عن المخاطب ، أو يسلب رذائل عن نفسه ويثبتها لخصمه ، وهذا هو معنى السباب كما عن العلّامة في المختلف (٣) ، فلا معارضة بين صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة وصحيحة علي بن جعفر ، لإرجاع المفاخرة إلى السباب المذكور في صحيحة معاوية بن عمار ، وإن لم يكن عنوان المفاخرة داخلاً في عنوان السب كما إذا افتخر على المخاطب بذكر فضائل لنفسه أو دفع رذيلة عنها من دون أن يمس كرامة المخاطب ومن دون تعريض لنفي فضيلة عنه أو إثبات رذيلة عليه ، فيقع التعارض بين صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة علي بن جعفر ، لأن صحيح معاوية بن عمار فسّر الفسوق بالكذب والسباب وصحيح علي بن جعفر فسّره بالكذب والمفاخرة.
وذكر صاحب الحدائق أنّ الصحيحين تعارضا فيما عدا الكذب فيتساقطان ويؤخذ بالمتفق عليه منهما وهو الكذب خاصّة ، فيطرح المختلف فيه من كل من الجانبين وهو السب والمفاخرة (٤) ويؤيّده تفسير الفسوق بالكذب خاصّة في روايات ضعيفة كمرسلة العياشي في تفسيره (٥) ورواية الصدوق عن المفضل بن صالح عن زيد الشحام (٦) ، فإنّها ضعيفة بالمفضل بن صالح ، والفقه الرضوي (٧).
__________________
(١) التبيان ٢ : ١٦٤.
(٢) الوسائل ١٢ : ٤٦٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٤.
(٣) المختلف ٤ : ١١٠.
(٤) الحدائق ١٥ : ٤٥٩.
(٥) لاحظ الوسائل ١٢ : ٤٦٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٩.
(٦) لاحظ الوسائل ١٢ : ٤٦٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٨.
(٧) فقه الرضا : ٢١٧.