وثالثاً : لو سلمنا خطأ الكتّاب والغلط في الكتابة في رسم الألف في «ذوا عدل» فلما ذا حصل الغلط في القراءة فإن الغلط في الكتابة لا يستلزم الغلط في القراءة ، وقد كثر الغلط في الكتابة في القرآن العزيز حتّى أنّ النيشابوري في مقدمة تفسيره عدّ الأغلاط إلى خمسمائة (١) ، ولكن القرّاء اهتمّوا بالقراءة الصحيحة ولم يقرءوا على نحو الكتابة بل قرؤوا بالقراءة الصحيحة وعلى النحو الّذي نزل به الكتاب ، ومن جملة الأغلاط في الكتابة ﴿يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ (٢) بانفصال اللام عن كلمة هذا ، مع أنّ اللام لام وصل تكتب متصلة بما دخلت عليه ، ونحو ذلك ﴿وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ (٣) وهكذا قوله تعالى ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٤) بتقديم الألف على الياء وغير ذلك من خطإ الكتابة ، ولكن القرّاء على كثرتهم واهتمامهم بشأن القرآن قرؤوا على ما نزل ولم يتبعوا الكتابة ، وقد قتل من القرّاء سبعون رجلاً في بئر معونة ، وأربعمائة نفر منهم في حرب اليمامة ولم يسمع من أحد منهم القراءة بإسقاط الألف ، فما ذكره العلّامة قريب لإطلاق الآية واعتبار المثلية في الجزاء ولا ينافيه إطلاق الروايات ، لأنّها ناظرة إلى مجرد المماثلة في الجنس لا إلى جميع الجهات.

فلا بدّ من رد علم تلك الروايات المشتملة على التحريف وخطأ الكتاب إلى أهلها.

ويرد أيضاً على ما ذكروه : أن كلمة الحكم لم يعهد استعمالها في بيان الحكم الشرعي ، بل المعهود استعمال كلمة (بيّن) أو (ذكر) أو (يقول) ونحو ذلك من التعابير ، وانّما الحكم يستعمل في تشخيص الصغرى كقولنا حكم الحاكم بأنّ الدار الفلاني لزيد ، وكذا يستعمل في بيان مورد الاختلاف ويستعمل في مقام القضاء وباب الخصومات قال تعالى ﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ‌ءٍ إلى أن قال تعالى ـ ﴿فَاللهُ

__________________

(١) تفسير غرائب القرآن ١ : ٣٥.

(٢) الكهف ١٨ : ٤٩.

(٣) الفرقان ٢٥ : ٧.

(٤) الكهف ١٨ : ٢٣.

۵۵۴