وبعبارة أُخرى : ذكروا أنّ وجوب الوفاء بالنذر مقيّد بالقدرة العقليّة كبقيّة الواجبات ، ووجوب الحجّ مشروط بالقدرة الشرعيّة ، فإذا كان بقاؤه في كربلاء يوم عرفة مثلاً واجباً لزيارة الحسين عليهالسلام فقد صار عاجزاً عن الإتيان بالحج والقيام به ، فإنّ العجز الشرعي كالعجز العقلي فيكون معذوراً في ترك الحجّ.
وذهب جماعة من المحققين كالشيخ النائيني ومنهم السيِّد الأُستاذ (دام ظله) إلى تقديم الحجّ وانحلال نذره ، وهذا هو الصحيح. توضيح ذلك :
إنّ المشهور إنّما التزموا بتقديم النذر على الحجّ لالتزامهم بأخذ القدرة الشرعيّة في موضوع الحجّ ، ولازم ذلك أن كلّ واجب يزاحم الحجّ يزيل موضوع الحجّ وهو الاستطاعة ، ولا يكون المكلّف حينئذ قادراً على الحجّ ويصبح عاجزاً عن الإتيان به. وبعبارة أوضح : أُخذ في موضوع الحجّ أن لا يزاحمه واجب آخر ، فإذا وجب على المكلّف شيء في أوان الحجّ وزاحمه بحيث لا يتمكّن من الجمع بينهما يسقط وجوب الحجّ لعدم القدرة عليه شرعاً.
ولكن الظاهر أنّه لا دليل على ما ذكروه أصلاً ، وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة (١) أنّ الحجّ ليس مشروطاً بالقدرة الشرعيّة المصطلحة وإنّما الحجّ كسائر الواجبات الإلهيّة مشروط بالقدرة العقليّة.
نعم ، فسّرت القدرة المأخوذة في الحجّ في الرّوايات بقدرة خاصّة ، وهي واجديته للزاد والرّاحلة وصحّة البدن وتخلية السرب ولا يؤول ذلك إلى أخذ القدرة الشرعيّة بحيث يزاحمه أيّ واجب من الواجبات الشرعيّة ، فوجوب الحجّ حاله حال سائر التكاليف الإلهيّة في كونه مشروطاً بالقدرة العقليّة ، فعند مزاحمته لواجب آخر يلاحظ الأهم منهما كبقيّة الواجبات المتزاحمة ، هذا كلّه بحسب الكبرى.
إلّا أنّه في خصوص المقام وهو ما لو نذر زيارة الحسين عليهالسلام في كلّ عرفة وغير ذلك من النظائر لا يصل الأمر إلى التزاحم ، والوجه فيه أنّ وجوب الوفاء
__________________
(١) في ص ٢٥.