وبالجملة : هاتان الصحيحتان دلّتا على عدم الكفّارة للفسوق ، وصاحب الوسائل حملهما على الجاهل ، لما ثبت من عدم وجوب الكفّارة على غير المتعمد واختار وجوب الكفّارة على العامد ، لصحيح سليمان بن خالد قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : في حديث وفي السباب والفسوق بقرة» (١).

ولا يخفى أن هذا الحمل بعيد وليس من الجمع العرفي بين الروايتين المتنافيتين ، لأن الظاهر من قول السائل : من ابتلي بالفسوق ما عليه؟ والظاهر من جواب الإمام عليه‌السلام : «لم يجعل الله له حدّا يستغفر الله» أنّه لم يجعل في الشريعة المقدّسة لذلك حدّا وشيئاً أصلاً ، لا أنّه جعل له شيئاً ورفعه عند الجهل خاصّة.

وبعبارة اخرى : ما ذكره صاحب الوسائل يبتني على أن تكون الكفّارة مجعولة عند الفسوق ولكن الشارع رفعها عند الجهل ، والظاهر من الصحيحة أنّ الكفّارة غير مجعولة للفسوق أصلاً ، وأنّها غير ثابتة في الشريعة المقدّسة برأسها.

وأمّا ما صنعه في الحدائق من أنّ الكفّارة ثابتة على الجمع بين السباب والكذب (٢) ففيه : أنّ الظاهر من الرواية ثبوت الكفّارة لكل من السباب والفسوق ، والمقام من باب ذكر العام بعد الخاص ، وهذا النحو من الاستعمال شائع في القرآن وغيره ، فمن ذكر الخاص بعد العام قوله تعالى ﴿فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ (٣) ومن ذكر العام بعد الخاص قوله عزّ وجلّ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ (٤) وقوله تعالى ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ (٥).

وبالجملة : الفسوق عام ذكر بعد الخاص والظاهر من الرواية ثبوت الكفّارة لكل من السباب والفسوق.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٤٨ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٢ ح ١.

(٢) الحدائق ١٥ : ٤٦٠.

(٣) الرّحمن ٥٥ : ٦٨.

(٤) البقرة ٢ : ٢٦٦.

(٥) النّحل ١٦ : ١١.

۵۵۴