نعم ، يعارض صحيح معاوية بن عمار بصحيح أبي عبيدة (١) من جهة أُخرى ، وهي أنّ الصحيحة الثانية ظاهرة في تقويم الجزاء وصرف قيمتها في إطعام المساكين ، ومقتضى إطلاقها صرف القيمة على المساكين وإن زاد عددهم على الستّين ، أو على الثلاثين.
ولكن قد عرفت أنّها محمولة على الأفضلية فيما إذا زادت القيمة على إطعام الستّين أو الثلاثين ، لأن صحيحة معاوية بن عمار نص في عدم وجوب الأزيد فيرفع اليد عن ظهور صحيحة أبي عبيدة.
مضافاً إلى أن صحيحة معاوية بن عمار في مقام التحديد بحد خاص ، بخلاف صحيحة أبي عبيدة الّتي ليست في مقام التحديد ، فلا بدّ من حملها على الأفضلية ونحو ذلك.
وأمّا الاجتزاء بالأقل فيما إذا لم تف القيمة لإطعام الستّين أو الثلاثين فقد عرفت أن هذا ممّا لا يمكن تحققه عادة ، فإن قيمة البدنة أو البقرة تفي لإطعام الستّين قطعاً.
وبالجملة : يتعيّن العمل بصحيحة معاوية بن عمار ولا يمكن الالتزام بالاجتزاء بالأقل ولا الحكم بوجوب الأكثر ، لأن ذلك خلاف التحديد الوارد في الصحيحة.
ولا يخفى أن ما ذكرناه في جزاء النعامة من التخيير بين أفراد الجزاء والتتابع في الصوم يجري في جزاء البقرة والظبي لوحدة الملاك.
يبقى شيء : وهو أن صحيح معاوية بن عمار الّذي دلّ على الجزاء بالبدنة وبالبقرة وبالشاة وببدلها إذا عجز عنها ، إنّما هو فيما إذا كان الجزاء متعيناً بالبدنة أو بالبقرة أو بالشاة ، وأمّا إذا كان الجزاء مخيراً بين البدنة والبقرة فلم يتعرض إليه النص ، فهل البدل بعد العجز عنهما إطعام الستّين أو إطعام الثلاثين؟ وبعبارة اخرى : هل يلاحظ في البدلية البدنة أو البقرة؟
لا ريب أنّ الفداء لو كان مخيراً بين البدنة والبقرة كما في حمار الوحش للجمع بين
__________________
(١) الوسائل ١٣ : ٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.