قال الله تعالى في كتابه المجيد ﴿... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ﴾.
الوجه الأوّل : التمسّك بذيل آية الحجّ في قوله تعالى ﴿... وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ﴾ (١) فإنّ التعبير عن الترك بالكفر كاشف من أنّ منكره كافر.
والجواب عنه أوّلاً : أنّ الآية الشريفة غير دالّة على أنّ منشأ الكفر هو إنكار الحجّ بل الظاهر من الآية الكريمة أن من كفر بسبب من أسبابه فيكون كفره منشأً لترك الحجّ طبعاً ، ونظير ذلك قوله تعالى ﴿ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ (٢) فإنّ الآيات لا تدلّ على أنّ تارك الصّلاة أو مانع الزّكاة كافر ، بل تدلّ على أنّ الكفر الحاصل بتكذيب يوم القيامة يكون منشأ لترك الصّلاة وترك الزّكاة.
وثانياً : أنّ الكفر في الآية فسّر بالترك في صحيح معاوية بن عمار «وعن قول الله عزّ وجلّ ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ يعني من ترك» (٣).
وثالثاً : لا يبعد أن يكون المراد بالكفر في المقام الكفر المقابل للشكر لا الكفر المقابل للإيمان ، فيكون المعنى حينئذ من كفر بالنعمة ولم يشكر ما رزقه الله من نعمة الهداية ولم يعمل بوظيفته ولم يأت بالحج فإنّ الله غني عن العالمين.
الوجه الثّاني : صحيح علي بن جعفر على طريق الشيخ عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «إنّ الله عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام وذلك قوله عزّ وجلّ ﴿... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ﴾ قال : قلت : فمن لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال : لا ، ولكن من قال
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٩٧.
(٢) المدثر ٧٤ : ٤٢ ٤٦.
(٣) الوسائل ١١ : ٣١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٧ ح ٢.