ثانيها : عدم الفرق في التحريم بين محلل الأكل ومحرمه.
ثالثها : التفصيل في الحيوان المحرم بين ما ثبتت الكفّارة فيه كالأصناف الثمانية وهي الأسد والثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والزنبور. والعظاية (١) فيحرم صيدها ، وبين ما لم تثبت فيه الكفّارة فيحل صيده ، فمحلل الأكل يحرم صيده ، وأمّا محرم الأكل يجوز صيده إلّا الثمانية المذكورة.
أقول : مقتضى إطلاق بعض الأدلّة حرمة الصّيد مطلقاً ، واستدلّ للاختصاص بالمحلل الأكل بوجهين :
أحدهما : قوله تعالى ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً﴾ (٢) بدعوى اختصاصه بالمحلل الأكل ، لتقييده بقوله تعالى ﴿ما دُمْتُمْ حُرُماً﴾ فإنّه كالصريح في التحريم في خصوص حال الإحرام ، مع أنّ محرم الأكل لو كان ممّا يحرم صيده أيضاً لم يكن وجه لتقييده بحال الإحرام ، لأن ما لا يؤكل لحمه يحرم أكله مطلقاً في حال الإحرام وعدمه.
وفيه : ما لا يخفى ، لأنّ الصّيد المذكور في الآية أُريد به معناه المصدري وهو اصطياد الحيوان والاستيلاء عليه لا المصيد ، والقرينة على ذلك صدر الآية الشريفة ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ﴾ فإنّ المراد من الصّيد في الصدر معناه المصدري أي الاصطياد ، لقوله تعالى ﴿وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ﴾ إذ لو كان المراد من صيد البحر الحيوان المصيد لم يكن مجال لذكر قوله تعالى ﴿وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ﴾ وما حرم في الجملة الثّانية نفس ما حلّل في الجملة الأُولى ، فمعنى الآية والله العالم أنّ الاصطياد من البحر حلال مطلقاً والاصطياد من البر حرام في خصوص حال الإحرام وأمّا في غيره فلا حرمة للاصطياد.
مضافاً إلى ذلك أنّه لو فرضنا أنّه لم تكن قرينة على أنّ المراد بالصيد هو
__________________
(١) العظاية : بتقديم العين المهملة والظاء المعجمة دويبة صغيرة ملساء من فصيل الضب. راجع المنجد مادّة عظي.
(٢) المائدة ٥ : ٩٦.