ومنها : صحيح البزنطي قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن الرّجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية؟ قال : كان أبو الحسن عليهالسلام من قوله يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة» (١) وهي صريحة في العمرة المفردة ، لأنّ العمرة الّتي تقع في شهر المحرم إنّما هي مفردة.
والجواب عن هذه الصحيحة أنّ موردها وإن كان العمرة المفردة ، ولكنّها مطلقة من حيث بدء العمرة والإحرام لها من أدنى الحل أو من قبل الحرم ، ومسألتنا في الاعتمار من خارج الحرم فتحمل صحيحة البزنطي على الإحرام من أوّل الحرم فلا منافاة.
ولكن صحيح عمر بن يزيد الوارد في من اعتمر من أوّل الحرم ، جعل العبرة في القطع بالنظر إلى الكعبة (٢) فيكون منافياً لخبر البزنطي ، إلّا أنّه يمكن في دفع التنافي بالتلازم بين الأمرين ، لأنّ النظر إلى بيوت مكّة يستلزم النظر إلى الكعبة المشرّفة لعلو البيت وارتفاعه ونحو ذلك.
الثّالثة : أن من اعتمر عمرة مفردة من أدنى الحل سواء كان في مكّة وخرج منها للاعتمار ، أو كان خارج مكّة دون الميقات وأراد الاعتمار من أدنى الحل ، يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة ، ويدلُّ عليه صحيح عمر بن يزيد وصحيحة معاوية بن عمار (٣).
المسألة الرّابعة : الحاج بأيّ نوع من أنواعه يقطع التلبية عند الزوال من يوم عرفة بلا خلاف ، وتدل عليه عدّة من الرّوايات المعتبرة (٤).
ثمّ إنّ الظاهر من النصوص أنّ القطع على نحو العزيمة ، للأمر به في الروايات ولا أقل من ارتفاع الأمر السابق وعدم الأمر بالتلبية ، والعبادة توقيفيّة ومشروعيّتها محتاجة إلى الأمر ، بل يظهر من بعض الأخبار أنّ إتيان التلبية في غير موردها
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٣٩٦ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١٢.
(٢) الوسائل ١٢ : ٣٩٥ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٨.
(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٤ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٤.
(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩١ / أبواب الإحرام ب ٤٤.