والجواب عن هذه الرّوايات أوّلاً بأنّها معارضة بالروايات المتقدّمة الدالّة على جواز إتيان عمرة التمتّع إلى إدراك الناس بمنى ، أي ليلة عرفة الّتي يستحب المبيت فيها في منى ، بل في بعضها أنّ الإمام عليهالسلام أتى بأعمال عمرة التمتّع ليلة عرفة (١).
وثانياً : معارضة لصحيحتي الحلبي وجميل الدالّتين على أنّ العبرة بدرك الوقوف الرّكني لعرفة وهو المسمّى منه.
ثمّ إنّ بعضهم ذهب إلى التخيير بين التمتّع والإفراد إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه ، وزعم أنّ ذلك مقتضى الجمع بين النصوص.
والجواب عنه : إن كان مراده من التخيير التخيير في المسألة الأُصوليّة نظراً إلى تعارض الأخبار ، فيرد عليه : أنّ التخيير في تعارض الأخبار غير ثابت كما بيّن في علم الأُصول. على أنّ التخيير في المسألة الأُصوليّة وظيفة المجتهد لا العامي ، فإنّ المجتهد يتخيّر في الحجيّة ويفتي على طبق ما اختاره وليس ذلك وظيفة العامي.
وإن كان مراده من التخيير التخيير في الحكم الفرعي ، بمعنى أنّ الجمع العرفي بين الرّوايات يقتضي ذلك نظير التخيير بين القصر والإتمام.
ففيه : أنّه لا يمكن تطبيق ذلك على ما نحن فيه ، لأنّ التخيير إنّما يحكم به فيما إذا كان إطلاق كلّ من الدليلين ظاهراً في الوجوب التعييني ، فنرفع اليد عن ظهور كلّ منهما في التعيين بقرينة الأمر بالآخر ونتيجة ذلك هي التخيير ، ولا يمكن ذلك في المقام ، لأنّ الأخبار في المقام متعارضة نفياً وإثباتاً ، ومعه لا يصح الحمل على التخيير ، فإنّ بعض الرّوايات ينفي المتعة إلى يوم عرفة أو إلى ليلة عرفة ، وبعضها ينفي التمتّع إلى الموقف الرّكني من عرفة على ما عرفت ومعه لا مجال للحمل على التخيير.
فتلخص : أنّ حدّ الضيق المسوّغ للعدول من التمتّع إلى الإفراد أو القِران إنّما هو خوف فوات الرّكن من الوقوف الاختياري لعرفة وهو المسمّى منه ، استناداً إلى صحيحة الحلبي وصحيحة جميل المتقدّمتين (٢) وغيرهما.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٢٩١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٢.
(٢) في ص ٢٠٣ ، ٢٠٤.