الأقرب إلى بلده.
وهنا تفصيل آخر : وهو وجوب الاستئجار من البلد في صورة سعة المال وإلّا فمن الميقات ، من دون نظر إلى الأقرب فالأقرب إلى بلده ، ويترتب على هذا التفصيل أنّه لو عجز من البلد ينتقل الاستئجار إلى الميقات رأساً ، وإن وسع المال للاستئجار من البلاد القريبة لبلد الميّت.
والصحيح هو القول المشهور ، والوجه فيه : أنّه لم يرد في المقام نص يعيّن مكان الاستئجار ، وإنّما النص ورد في باب الوصيّة بالحج وفي الحجّ عن الحي ، وكلاهما أجنبي عن محل كلامنا ، فلا بدّ في المقام من الرّجوع إلى ما تقتضيه القاعدة ،
وهي تقتضي الحجّ الميقاتي دون البلدي.
وذلك لأنّ الواجب على الميّت إنّما هو الحجّ ، وهو اسم لإعمال ومناسك مخصوصة تبدأ من الإحرام وتنتهي إلى الحلق أو التقصير أو تنتهي إلى طواف النِّساء في حجّ التمتّع مثلاً ، وأمّا المقدّمات وطي المسافات فهي خارجة عن حقيقة الحجّ فلا موجب للاستئجار عن ذلك من صلب المال ، لأنّ الّذي وجب إخراجه من صلب المال إنّما هو الحجّ لا المقدّمات الّتي لا ترتبط بالحج ، فالواجب حينئذ الاستئجار من الميقات بل من الأقل أُجرة ، فإنّ المواقيت مختلفة من حيث قلّة الأُجرة وكثرتها حسب القرب والبعد ، إذ لا موجب لاختيار الأكثر اجرة مع إمكان اختيار الأقل أُجرة وسقوط الواجب بذلك.
ولكن الأحوط الاستئجار من البلد مع سعة المال خروجاً عن شبهة الخلاف ، إلّا أنّ الزائد عن اجرة الحجّ الميقاتي يحسب من حصّة الكبار لا الصغار كما هو واضح لأنّ المال في غير مصرف الحجّ ينتقل إليهم ولا مجوّز لجواز التصرّف في أموالهم.
وقد يستدل للقول الثّالث بأنّه لو كان حيّاً وجب عليه صرف المال من البلد للسير منه إلى الميقات ، فلمّا مات سقط الحجّ عن بدنه وبقي وجوب صرف المال فلا بدّ من قضائه.
وفيه : أنّ صرف المال من البلد ليس بواجب نفسي شرعي وإنّما هو واجب عقلي