الثّالث : تعليق التزام البائع بيعه على فعل صادر من المشتري كالخياطة لا تعليق البيع ، ومرجع هذا التعليق إلى جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم الخياطة.
وشيء ممّا ذكر من الأقسام غير جار في المقام ، لأنّ تعليق المنشأ على شيء إنّما يتصوّر في الأُمور الاعتباريّة كالملكية ونحوها ، وأمّا الأُمور الخارجيّة التكوينيّة كالضرب والأكل ومنها الإعطاء الخارجي فغير قابلة للتعليق ، بل إمّا أن تقع وإمّا لا تقع ، فلا معنى لأن يأكل شيئاً على أن يكون ملك نفسه مثلاً ، أو يضربه بشرط أن يكون زيداً ، ومن هذا القبيل إعطاء الخمس له فإنّه كالأكل فإنّه إمّا يتحقق في الخارج أم لا ، فلا معنى لأن يقال إن لم يحجّ به فالإعطاء غير واقع ، والمفروض صدور الإعطاء منه في الخارج. وأمّا الملكية الشرعيّة وإن كانت قابلة للتعليق لأنّها من الأُمور الاعتباريّة ، ولكنّها ليست بيد المكلّف وإنّما هي بيد الشارع المقدّس وقد ملّكها للفقراء والسادة ، وليس للمالك أزيد من الإعطاء وتفريغ ذمّته وقد وقع منه.
وأمّا تعليق الالتزام بالإعطاء على الحجّ ، بمعنى أنّه يلتزم المالك بأن يعطيه الخمس أو الزكاة معلقاً على الحجّ به ، فقد عرفت أنّ مرجع ذلك إلى جعل المالك لنفسه حق الخيار والرّجوع إلى المال ، إذا لم يصدر المعلّق عليه من الطرف المقابل ، إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بذلك في المقام ، لأنّ المالك ليس له الرّجوع فيما كان لله تعالى كما في النص (١) فإنّ ما أعطاه زكاة أو خمساً وانطبق عليه ذلك ، فليس للمالك الرّجوع عن عطائه فإنّ ما كان لله لا يعود. فليس في البين إلّا التزام الفقير الآخذ للمال بصرفه في الحجّ ، ولا أثر لالتزامه فإنّه يرجع إلى الوعد الابتدائي الّذي لا يجب العمل فيه.
ولو تنزّلنا عن جميع ذلك ، وقلنا بإمكان التعليق في المقام ، ولكن ليس لمن عليه الزكاة أو الخمس هذا الاشتراط وهذه السلطنة ، لعدم الولاية له على مثل ذلك ، وإنّما اللّازم عليه الأداء والإعطاء إلى أهله وإبراء ذمّته من الدّين ، نعم له حق التطبيق في الدفع والأداء إلى مستحقه ، وله أن يختار خصوص الفقير الفلاني أو السيِّد الفلاني وليس له أزيد من ذلك ، ولو جاز له أزيد من ذلك لجاز له أن يشترط أُموراً أُخر على
__________________
(١) الوسائل ١٩ : ٢٣١ / أبواب الهبات ب ٣ ح ١ ، ٢ وب ٦ ح ٣.