أحدهما : خبر أبي الربيع الشامي قال : «سُئل أبو عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ ﴿... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ ... إلى أن قال : هلك النّاس إذن لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس يجب عليه أن يحجّ بذلك ، ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه لقد هلك اذن الحديث» (١).
ثانيهما : دليل نفي العسر والحرج ، فإنّ السفر إلى الحجّ إذا استلزم تعطيل معاشه وإعاشة عياله لو عاد إلى بلده ، لا يجب لوقوعه في الحرج.
وكلا الأمرين لا يجري في الاستطاعة البذليّة ، أمّا الخبر فمورده الاستطاعة الماليّة لأمره عليهالسلام بصرف بعض ماله في الحجّ وإبقاء بعضه لقوت عياله ، ولا إطلاق له يشمل الاستطاعة البذليّة. هذا مضافاً إلى ما ذكرنا سابقاً (٢) أنّ هذه الزيادة مرويّة على طريق المفيد وطريقه إلى أبي الربيع مجهول.
وأمّا دليل نفي الحرج فكذلك لا يأتي في الاستطاعة البذليّة ، لأنّ المفروض أنّ المبذول له لا يصرف شيئاً من المال في الحجّ وإنّما مصارفه على الباذل ، ويكون حاله بعد الحجّ كحاله قبل الحجّ فلا يقع في الحرج بسبب سفره إلى الحجّ ، بخلاف الاستطاعة الماليّة فإنّه لو صرف جميع ما عنده من المال في الحجّ بحيث لو رجع إلى بلاده ولا مال له لكفاية نفسه وعياله يكون سفره إلى الحجّ مستلزماً لوقوعه في الحرج فيرتفع وجوبه.
نعم ، لو وقع في الحرج من جهات أُخر ولو على سبيل الندرة يسقط الوجوب بالبذل أيضاً ، كما لو فرضنا أنّ الشخص كسبه منحصر في خصوص أشهر الحجّ ، ولو سافر إلى الحجّ في هذه الأشهر لا يتمكّن من الكسب أصلاً ويتعطّل أمر معاشه في طول السنة.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٣٧ / أبواب وجوب الحج ب ٩ ذيل ح ١.
(٢) في ص ٣٥.