يحرم عليه الاستتار ويجوز له الاستظلال ، فلا مانع من سيره ومشيه وجلوسه تحت ظل الجدران والحيطان وسقوف الأسواق ونحو ذلك ، وإن كان بعد لم يتخذ بيتاً لسكناه ، وذلك لأنّه لو قلنا باختصاص التحريم بالظل السائر وعدم شموله للظل الثابت المستقر كما هو المختار فالأمر واضح ، وإن لم نقل بذلك وقلنا بتعميم المنع للظل السائر والثابت كما عن جماعة فلا إشكال فيه أيضاً ، لأنّ المستفاد من روايات المقام هو المنع عن الاستظلال حال سيره إلى مكّة ، ولا تشمل حال نزوله إلى منزله ومقصده ووصوله إلى مكّة المكرمة ، وهذا الحكم كان أمراً متسالماً عليه عند الشيعة ومما اختصوا به ، بل كان ذلك من شعارهم من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا ، ولذا كثر سؤال المخالفين عن الأئمة عليهمالسلام بأنّه ما الفرق بين حال السير والنزول في المنزل والخباء ، وأجابوا عليهمالسلام بأنّ الدّين لا يقاس ، والأحكام حسب النصوص الواردة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهذه الروايات المشتملة على احتجاج الأئمة عليهمالسلام وإن كانت ضعيفة سنداً ولكن صحيح البزنطي يكفينا ، فإن أبا حنيفة سأل عن الصادق عليهالسلام : «أيش فرق ما بين ظلال المحرم والخباء؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : إن السنّة لا تقاس» (١).
وهذه الصحيحة وإن لم يقع فيها التصريح بالفرق بين حال السير والنزول في المنزل ، إلّا أنّه بقرينة تلك الروايات وبقرينة الخلاف بين السنّة والشيعة في الفرق بين الأمرين يظهر أن سؤال أبي حنيفة ناظر إلى هذه المسألة أي المنع عن التظليل حال السير وجوازه في الوصول إلى المنزل ، وأبو حنيفة يسأل نفس السؤال الواقع في تلك الروايات ، وإلّا فلا نحتمل خصوصية للخباء مقابل المظلة مثلا.
وبالجملة : لا ريب في اختصاص المنع بحال السير ، فمن وصل مكّة لا يصدق عليه عنوان السير إلى مكّة ، بل يصدق عليه أنّه دخل منزله ، فإنّ الداخل فيها للحج لا يجوز له الخروج بل هو محتبس ومرتهن للحج كما هو الصحيح عندنا. هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية.
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٥.