ذكره الجواهر أبعد ، لأنّ الظاهر من الروايات أن كل واحد من الأُمور المذكورة عنوان مستقل ، فحمل أحدها على الآخر بلا وجه ، بل يقتضي إلغاء العنوان الآخر بالمرّة ، فإن مقتضى حمل بلوغ الهدي إلى محل الخطيئة ، عدم الاعتداد ببلوغ الهدي أصلاً وأنّ العبرة بمحل الخطيئة.
والصحيح أن يقال : إنّ الروايات المعتبرة الواردة في المقام على طوائف ثلاث :
منها : ما جعل الغاية قضاء المناسك والرجوع إلى المكان الّذي وقع فيه الجماع كصحيحة زرارة وغيرها (١) وهذه الطائفة مطلقة تشمل المكان الّذي هو قبل أرض منى وبعده ، يعني الحاج لما يتوجه من مكّة إلى عرفات يذهب إليها من طريق منى لاستحبابه شرعاً ، فقد يقع منه الجماع قبل الوصول إلى منى وقد يقع منه بعد مني أو يقع منه الجماع بعد الميقات إذا كان الحجّ إفراداً أحرم له من الميقات.
وأمّا الطائفة الثانية : فمقتضى إطلاق صحيحتي معاوية بن عمار (٢) جعل بلوغ الهدي محلِّه غاية الافتراق ، سواء كان الجماع واقعاً قبل الوصول إلى منى أو بعده فالطائفتان متعارضتان بالإطلاق ، لأن كلّا منهما يدل على أن نهاية الافتراق بما ذكر فيه سواء تحقق الآخر أم لا.
وهنا طائفة ثالثة : تدل على أنّ الجماع إذا كان واقعاً قبل الوصول إلى منى فغاية الافتراق يوم النفر وهو اليوم الثاني عشر كما في صحيحة الحلبي «ويفرّق بينهما حتّى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا» (٣) فانّ الظاهر من هذا الكلام أن مكان الجماع كان قبل الوصول إلى منى ، فهذه الصحيحة تخصص ما دلّ بالإطلاق على أنّ الغاية بلوغ الهدي محلِّه ، فيكون مورد الافتراق إلى بلوغ الهدي محلِّه في غير صورة وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى ، وإذن فانّ الجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى فلا بدّ من الافتراق بينهما إلى يوم النفر والرجوع إلى مكان الحادث ،
__________________
(١) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩ و ١٥.
(٢) الوسائل ١٣ : ١١١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٥ ، ١٢.
(٣) الوسائل ١٣ : ١١٤ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٤.