ومنها : صحيح معاوية بن عمّار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل عليه دين أعليه أن يحجّ؟ قال : نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان (أكثر) من حجّ مع النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مشاة ولقد مرّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد والعناء فقال : شدّوا أزركم واستبطنوا ، ففعلوا ذلك فذهب عنهم» (١) فإنّه قد حكم فيه بوجوب الحجّ على من أطاق المشي ، والمراد من «أطاق» إعمال غاية الجهد والمشقّة ومنه قوله تعالى ﴿... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ﴾ ... (٢).
ويجاب عن ذلك أوّلاً بأنّه لم يعمل أحد من الفقهاء بمضمونه.
وثانياً : أنّ المراد بمن أطاق المشي ، القدرة على المشي في قبال المريض والمسجى الّذي لا يتمكّن من المشي أصلاً حتّى في داره وبلده ، فمن تمكّن من المشي وأطاقه بمعنى أنّه لم يكن مريضاً ولم يكن مسجى ، يجب عليه الحجّ بالطرق المتعارفة لا مشياً على الأقدام.
ولو سلمنا ظهور هذه الرّوايات في عدم اعتبار الرّاحلة ، فلا ريب أنّ ظهور تلك الرّوايات الدالّة على الاعتبار أقوى من ظهور هذه ، فترفع اليد عن ظهور هذه لأظهريّة تلك الرّوايات.
ويؤكّد ما قلناه : أنّ الحجّ لو كان واجباً على كلّ من تمكّن من المشي وإن لم يكن له راحلة لكان وجوبه حينئذ من الواضحات الّتي لا يمكن خفاؤها لكثرة الابتلاء بذلك.
وأمّا استشهاد الإمام عليهالسلام بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يعلم أنّ حجّهم كان حجّة الإسلام ويحتمل كونه حجّا ندبيّاً وإن فرض أوّل سنتهم لاستحباب الحجّ للمتسكع ، فلا ريب في اعتبار الزاد والرّاحلة حتّى لمن يتمكّن من المشي.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٤٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ١١ ح ١.
(٢) البقرة ٢ : ١٨٤.