فَصْلٌ

يَنْبَغِى لِلمُتَكَلِّمِ أَنْ يَتَأَنَّقَ في ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كَلاَمِهِ حَتَّى يَكُونَ أَعْذَبَ لَفْظاً وَأَحْسَنَ سَبْكاً وَأَصَحَّ مَعْنىً. أَحَدُهَا الاِبْتدَاءُ كَقَوْلِهِ:


[فصل] من الخاتمة في حسن الابتداء والتخلص والانتهاء

[ينبغى للمتكلم] شاعرا كان أو كاتبا [أن يتأنق] أي يَتَتَبَّعَ الآنَقَ الأحسن، يقال ـ تَأَنَّقَ في الروضة إذا وقع فيها متتبعا لما بُونِقُهُ أي يعجبه [في ثلاثة مواضع من كلامه حتى تكون] تلك المواضع الثلاثة [أعذب لفظا] بأن تكون في غاية البعد عن التَّنَافُرِ والثِّقَلِ(١)[وأحسن سبكا] بأن تكون في غاية البعد عن التعقيد(٢) والتقديم والتأخير الْمُلْبسِ، وأن تكون الألفاظ متقاربة في الجزالة والمتانة والرِّقَّةِ وَالسَّلاَسَةِ، وتكون المعاني مناسبة لألفاظها من غير أن يكتسى اللفظ الشريف المعنى السخيف أو العكس، بل يصاغان صياغة تَنَاسُب وَتَلاَؤم [وأصح معنى] بأن يسلم من التناقض والامتناع والابتذال ومخالفة العرف(٣) ونحو ذلك [أحدها

الابتداء]

لأنه أول ما يقرع السمع فإن كان عَذْباً حَسَنَ السَّبْكِ صحيح المعنى أقبل السامع على الكلام فَوَعَى جميعه، وإلا أعرض عنه وإن كان الباقى في غاية الحسن، فالابتداء الحسن في تذكار الأحبة والمنازل [كقوله:

__________________

(١) وكذلك مخالفة القياس، وإنما قال ـ في غاية البعد ـ لأن أصل البعد عن ذلك يرجع إلى علم المعاني لا إلى علم البديع.

(٢) المراد به التعقيد المعنوى، ولذلك عطف عليه التقديم والتأخير الملبس وهو التعقيد اللفظى.

(٣) أي متعارف البلغاء، لأن مخالفة ذلك كالغرابة المخلة بالفصاحة أو هي نفسها.

۵۲۰۱