نَحْوُ ـ وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ـ وَهُوَ أَيْضاً إمَّا لِتَأْكيدِ مَنْطُوق كَهذِهِ الآيَةِ، وَإمَّا لِتَأْكِيدِ مَفْهُوم، كَقَوْلِهِ:

وَلَسْتَ بِمُسْتَبْق أخاً لاَتَلُمُّهُ

عَلَى شَعَث أَيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ

وَإمَّا بِالتَّكْمِيلِ وَيُسَمَّى الاحْتِرَاسَ أَيْضاً، وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى فِي كَلاَم يُوهِمُ خِلاَفَ المَقْصُودِ بِمَا يَدْفَعُهُ، كَقَوْلِهِ:

فَسَقى دِيارَكَ غَيْرَ مُفسِدِها

صَوْبُ الرَّبِيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمِى


الاستعمال [نحو ـ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ـ وهو أيضا] أي التذييل ينقسم قسمة أخري، وأتى بلفظه أيضا تنبيها على أن هذا التقسيم للتذييل مطلقا لا للضرب الثاني منه [إما] أن يكون [لتأكيد منطوق، كهذه الآية] فإن زهوق الباطل منطوق في قوله ـ وزهق الباطل [وإما لتأكيد مفهوم، كقوله: ولست] على لفظ الخطاب [بمستبق أخا لا تلمه] حال من ـ أخا ـ لعمومه(١) أو من ضمير المخاطب في لست [على شعث] أي تَفرُّق وذَمِيمِ خصال، فهذا الكلام دل بمفهومه على نفي الكامل من الرجال، وقد أكده بقوله [أي الرجال المهذب(٢)] استفهام بمعنى الإنكار، أي ليس في الرجال مُنَقَّحُ الفعال مَرْضِيُّ الخصال.

[وإما بالتكميل ويسمى الاحتراس أيضا] لأن فيه التَّوَقِّيَ والاحتراز عن تَوَهُّمِ خلاف المقصود [وهو أن يؤتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه] أي يدفع إيهام خلاف المقصود، وذلك الدافع قد يكون في وسط الكلام وقد يكون في آخر الكلام، فالأول [كقوله: فسقي ديارك غير مفسدها] نَصْبٌ على الحال من فاعل ـ سقى ـ وهو [صوب

__________________

(١) بوقوعه في حيز النفي، فيصح مجىء الحال منه، لأن وقوع النكرة في حيز النفي يسوغ مجىء الحال منها.

(٢) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة له في الاعتذار إلى النعمان بن المنذر.

۵۲۰۱