فَصْلٌ

أَطْبَقَ الْبُلَغَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ وَالْكِنَايَةَ أَبْلَغُ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالتَّصْرِيحِ، لاِنَّ الانْتِقالَ فِيهِمَا مِنَ الْمَلْزُومِ إلَى اللاَّزِمِ، فَهُوَ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنة، وانّ الاستعارة اَبْلَغُ مِن التشبيه لانّها نوع من المجاز


[فصل]

[أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ(١) من الحقيقة والتصريح، لأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم فهو كدعوى الشيء ببينة] فإن وجود الملزوم يقتضى وجود اللازم، لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه [و] أطبقوا أيضا على [أن الاستعارة أبلغ من التشبيه، لأنها نوع من المجاز] وقد علم أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وليس معنى كَوْنِ المجاز والكناية أبلغ أن شيئا منهما يوجب أن يحصل في الواقع زيادة في المعنى لا توجد في الحقيقة والتصريح، بل المراد أنه يفيد زيادة تأكيد للإثبات، ويفهم من الاستعارة أن الوصف في المشبه بَالغٌ حَدَّ الكمال كما في المشبه به وليس بقاصر فيه كما يفهم من التشبيه، والمعنى لا يتغير حاله في نفسه بأن يُعَبَّرَ عنه بعبارة أبلغ(٢) وهذا مراد الشيخ عبد القاهر بقوله: ليست مَزِيَّةُ قولنا ـ رأيت أسدا ـ على قولنا ـ رأيت رجلا هو والأسد سواء في الشجاعة ـ أن الأول أفاد زيادة في مساواته للأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني، بل الفضيلة هي أن الأول أفاد تأكيداً لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني، والله أعلم ـ كمل القسم الثاني والحمد لله على جزيل نَوَالِهِ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.

__________________

(١) هو أفعل تفضيل من المبالغة شذوذا لا من البلاغة، لأن مرجع ذلك في البلاغة إلى مقتضى الحال، ورب حقيقة أبلغ من المجاز لوقوعها في مقامها.

(٢) وقيل إن المعنى يتغير بذلك، فيجب أن يراعى في كل عبارة ما يناسبها من المقام في قوة المعنى وضعفه.

۵۲۰۱