وَمِنْهُ حُسْنُ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ لِوَصْف عِلةً مُنَاسِبَةً لَهُ باعْتِبَار لَطِيف غَيْرِ حَقِيقِيِّ، وَهُوَ أَرْبَعةُ أَضْرُب: لِأَنَّ الصِّفةَ إمَّا ثَابِتَةٌ قُصِدَ بَيَانُ عِلَّتِهَا، أَوْ غَيْرُ ثَابِتَة أُرِيدَ إثباتُهَا، وَالْأُولى إمَّا ألاَّ يَظْهَرَ لَها في الْعادَةِ عِلَّةٌ كَقَوْلِهِ:

لَمْ يَحْكِ نَائِلَكَ السَّحَابُ وَإنَّما

حُمَّتْ بِهِ فَصَبِيبُها الرُّحَضَاءُ


[ومنه] أي ومن المعنوى:

[حسن التعليل

وهو أن يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف] أي بأن ينظر نظرا يشتمل على لُطْف وَدِقَّة [غير حقيقى] أي لا يكون ما اعْتُبِرَ علة لهذا الوصف علة له في الواقع، كما إذا قلت ـ قتل فلان أعاديه لدفع ضررهم ـ فإنه ليس في شيء من حسن التعليل، وما قيل من أن هذا الوصف أعني غير حقيقى ليس بمفيد ههنا لأن الاعتبار لا يكون إلا غير حقيقى فغلط، ومنشؤه ما سَمِعَ أن أرباب المعقول يطلقون الاعتباري على ما يقابل الحقيقى، ولو كان الأمر كما تَوَهَّمَ لوجب أن يكون جميع اعتبارات العقل غير مطابق للواقع(١) [وهو أربعة أضرب: لأن الصفة] التي ادَّعَى لها علة مناسبة [إما ثابتة قصد بيان علتها، أو غير ثابتة أريد إثباتها، والأولى إما ألا يظهر لها في العادة علة] وإن كانت لا تخلو في الواقع عن علة [كقوله: لم يحك] أي لم يشابه [نائلك] أي عطاءك [السحاب وإنما * حمت به] أي صارت محمومة بسبب نائلك وتَفَوُّقِهِ عليها [فصبيبها الرحضاء(٢)] أي فالمصبوب من السحاب هو عَرَقُ الْحُمَّى، فنزول المطر من السحاب صفة ثابتة لا يظهر لها في العادة علة، وقد علله بأنه عَرَقُ حُمَّاهَا الحادثة بسبب عطاء

__________________

(١) حاصل الجواب أن المعترض فهم أن المراد بالاعتبار الأمر الاعتبارى مع أن المراد به نظر العقل.

(٢) البيت للمتنبى.

۵۲۰۱