وفِي المتَكَلِّمِ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرِ بِها عَلَى التّعْبِيرِ عَنِ المَقُصُودِ بِلَفْظ فَصِيح.

وَالبلاَغَةُ في الكَلاَمِ مُطابَقَتُهُ لمُقْتَضَى الحَالِ مَعَ فَصَاحَتِهِ،


حصل الاحتراز عنه بالتنافر، وإلا فلا يخل بالفصاحة، كيف وقد وقع في التنزيل ـ (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوح ـ ذِكْرُ رَحْمةِ رَبِّك عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ـ وَنَفْس وَمَا سَوَّاها، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا).

[و] الفصاحة [في المتكلم ملكة] وهي كيفية راسخة في النفس، والكيفية عَرَضٌ لا يتوقف تعقله على تعقل الغير ولا يقتضى القسمة واللاَّقسمة في محله اقتضاء أَوَّلِيّاً، فخرج بالقيد الأول الأعراض النسبية مثل الاضافة والفعل والانفعال ونحو ذلك، وبقولنا ـ لا يقتضى القسمة ـ الكميات، وبقولنا ـ واللاَّقسمة ـ النقطة والوحدة، وقولنا ـ أوليا ـ ليدخل فيه مثل العلم بالمعلومات المقتضية للقسمة واللاَّقسمة، فقوله ـ ملكة إشعار بأنه لو عبر عن المقصود بلفظ فصيح لا يسمى فصيحا في الاصطلاح ما لم يكن ذلك راسخا فيه، وقوله [يقتدر بها على التعبير عن المقصود] دون أن يقول ـ يعبر ـ إشعار بأنه يسمى فصيحا إذا وجد فيه تلك الملكة سواء وجد التعبير أو لم يوجد، وقوله [بلفظ فصيح] ليعم المفرد والمركب، أما المركب فظاهر، وأما المفرد فكما تقول عند التعداد: دار، غلام، جارية، ثوب، بساط، إلى غير ذلك.

[والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته] أي فصاحة الكلام، والحال هو الأمر الداعى للمتكلم إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدى به أصل المراد خُصُوصِيَّةً ما، وهو مقتضى الحال(١) مثلا ـ كَوْنُ المخاطب منكرا للحكم حَالٌ يقتضى تأكيد الحكم، والتأكيد مقتضى الحال، وقولك له ـ إن زيدا في الدار، مؤكدا بأنَّ كلامٌ مطابق لمقتضى الحال، وتحقيق ذلك أنه جزئي من جزئيات ذلك الكلام الذي

__________________

(١) يعني أن تلك الخصوصية هي مقتضى الحال وإنما ذكر الضمير مراعاة للخبر.

۵۲۰۱