ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ـ وَفِي ثُمَّ دَلاَلةٌ عَلَى أنَّ الإنذَارَ الثَّانِي أَبْلَغُ.

وَإمَّا بِالإيغَالِ فَقِيلَ هُوَ خَتْمُ البَيتِ بِما يُفِيدُ نُكْتَةً يَتِمُّ الْمَعْنَى بِدُونِهَا، كَزِيادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهَا:

وَإنَّ صَخْراً لَتأْتُمَّ الهُدَاةُ بِهِ

كَأنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ

وَتَحْقِيقِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ:

كأَنَّ عُيُونَ الْوَحْشِ حَوْلَ خِبائِنَا

وَأَرْحُلِنَا الْجَزْعُ الَّذِي لَمْ يُثَقَّبِ


ما قُدَّامَكُمْ من هَوْلِ المحشر، وفى تكريره تأكيد للردع والانذار [وفي ثم دلالة على أن الانذار الثاني أبلغ] من الأول، تنزيلا لِبُعْدِ المرتبة منزلة بُعْدِ الزمان، واستعمالا للفظ ثم في مجرد التَّدَرُّجِ في درج الارتقاء.

[وإما بالإيغال] من (أوْغَلَ في البلاد ـ إذا أبْعَدَ فيها، واختلف في تفسيره [فقيل هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعني بدونها، كزيادة المبالغة في قولها] أي في قول الخنساء في مَرْثِية أخيها صخر [وإن صخرا لتأتم] أي تقتدي [الهداة به * كأنه علم] أي جبل مرتفع [في رأسه نار] فقولها ـ كأنه علم ـ وَاف بالمقصود، أعنى التشبيه بما يُهْتدَى به، إلا أن في قولها ـ في رأسه نار ـ زيادة مبالغة [وتحقيق] أي وكتحقيق [التشبيه في قوله: كأن عيون الوحش حول خبائنا] أي خيامنا ]وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب] الجزع بالفتح الْخَرزُ اليمانى الذي فيه سواد وبياض، شبه به عيون الوحش، وأتى بقوله ـ لم يثقب ـ تحقيقا للتشبيه، لأنه إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون(١) قال الأصمعى: الظبى والبقرة إذا كانا حَيَّيْنِ فعيونهما كلها سواد، فإذا ماتا بدا بياضهما، وإنما شبهها بالجزع وفيه سواد وبياض بعد ما مَوَّتَتْ، والمراد كثرة الصيد، يعني مما أكلنا كثرت العيون

__________________

(١) فالمراد منه دفع المخالفة بين الطرفين، فيكون لتحقيق التشبيه لا لزيادة المبالغة، والبيت لامرىء القيس.

۵۲۰۱