بَقِيتَ بَقَاءَ الدَّهْرِ يَا كَهْفَ أَهْلِهِ

وَهذَا دُعَاءٌ لِلْبَرِيَّةِ شَامِلُ

وَجَمِيعُ فَوَاتِحِ السُّورِ وَخَوَاتِمِهَا وَارِدَةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا يَظْهَرُ ذلِكَ بِالتَّأَمُّلِ مَعَ التَّذَكُّرِ لِمَا تَقَدَّمَ.


بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله

وهذا دعاء للبرية شامل(١)]

لأن بقاءك سبب لنظام أمرهم وصلاح حالهم، وهذه المواضع الثلاثة مما يبالغ المتأخرون في التأنق فيها، وأما المتقدمون فقد قلت عنايتهم بذلك [وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها] من البلاغة، لِمَا فيها من التفنن وأنواع الاشارة وكَوْنِهَا بين أدعية ووصايا ومواعظ وتحميدات وغير ذلك مما وقع موقعه وأصاب مَحَزَّهُ، بحيث تقصر عن كُنْهِ وصفه العبارة، وكيف لا وكلام الله سبحانه وتعالى في الرتبة العليا من البلاغة، والغاية القصوى من الفصاحة، ولَمَّا كان هذا المعنى مما قد يخفى على بعض الأذهان لِمَا في بعض الفواتح والخواتم من ذكر الأهوال والأفزاع وأحوال الكفار وأمثال ذلك أشار إلى إزالة هذا الخفاء بقوله [يظهر ذلك بالتأمل مع التذكر لما تقدم] من الأصول والقواعد المذكورة في الفنون الثلاثة التي لا يمكن الاطلاع على تفاصيلها وتفاريعها إلا لعلام الغيوب(٢) فإنه يظهر بتذكرها أن

__________________

(١) قيل إنه لأبي العلاء الْمَعَرِّىِّ، وقيل إنه للمتنبى، والذي يؤذن فيه بالانتهاء الدعاء لأن العادة جرت على انتهاء الكلام به.

(٢) أما نحن فإنما يمكننا الاطلاع على بعضها فقط.

تطبيقات على الابتداء والتخلص والانتهاء:

١ـ إن سَالَ من غَرْبِ العيون بحورُ

فالدهر بَاغ والزمانُ غَدُورُ

٢ـ إن البخيل مَلَومٌ حيث كان ول ـ

ـكِنَّ الجواد على عِلاَّتِهِ هَرِمُ

٣ـ هَا فانظري أَوْ فَظُنِّى بي تَرَىْ حُرَقَا

من لم يَذُقْ طَرَفاً منها فقد وَأَلاَ

۵۲۰۱