وَقَدْ يُعْكَسُ فَانْ كَانَ اسْمَ إشَارَة فَلِكَمالِ الْعِنايةِ بِتَمْيِيزِهِ لاِخْتِصَاصِهِ بِحُكْم بَدِيع، كَقَوْلهِ:

كَمْ عاقِل عاقِل أَعْيَتْ مَذاهِبُهُ

وَجاهِل جاهِل تَلْقاهُ مَرْزُوقَا

هذا الّذِي تَرَكَ الأَوْهامَ حائِرَةً

وَصَيَّرَ الْعالَمِ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقاً


الحصول بعد الطلب أعز من المُنْسَاقِ بلا تعب، ولا يخفى أن هذا لا يحسن في باب ـ نعم ـ لأن السامع ما لم يسمع الْمُفَسِّرَ لم يعلم أن فيه ضميرا، فلا يتحقق فيه التشوق والانتظار(١).

وضع المظهر موضع المضمر

[وقد يعكس] وَضْعُ المضمر موضع المظهر، أي يوضع المظهر موضع المضمر [فإن كان] المظهر الذي وضع موضع المضمر [اسم إشارة فلكمال العناية بتمييزه] أي تمييز المسند إليه [لاختصاصه بحكم بديع كقوله: كم عاقل عاقل] هو وصف عاقل الأول، بمعنى كامل العقل مُتَنَاه فيه [أعيت] أي أعيته وأعجزته، أو أعيت عليه وصعبت(٢)] مذاهبه [أي طرق معاشه [وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا * هذا الذي ترك الأوهام حائرة * وصير العالم النحرير] أي المتقن من ـ نَحَرَ الأمورَ علما أتقنها [زنديقا](٣) كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم، فقوله ـ هذا ـ إشارة إلى حكم سابق غير محسوس، وهو كَوْنُ العاقل محروما والجاهل مرزوقا، فكان القياس فيه الاضمار، فعدل إلى إسم الإشارة لكمال العناية بتمييزه، لِيُرِى السامعين أن هذا الشيء المتميز المتعين هو الذي له

__________________

(١) قد أجيب عن هذا بأنه يجوز أن يعرف أن فيه ضميرا قبل سماع المفسر بقرينة أو نحوها.

(٢) هو متعد على التقدير الأول، ولازم على الثاني.

(٣) البيتان لأحمد بن يحيى بن إسحاق الرَّاوَنْديِّ من شعراء الدولة العباسية، وقد جاء قبل البيتين:

١ـ سُبْحَانَ من وضع الأشياءَ موضعها

وَفَرَّقَ الْعِزَّ والاذلالَ تَفْرِيقاً

۵۲۰۱